عندما نُمعن النظر في خفايا النفس البشرية وأسرارها تتجلى لنا قدرة الخالق عز وجل؛ حيث يقول: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. وهي دعوة للتفكر في تركيب وسلوك هذا الكائن الذي كرمه الله عن سائر المخلوقات؛ فهو من أكثر الكائنات تعقيداً. وبالرغم من تقدُّم العلم، وخصوصاً المجال الطبي منه الذي يدرس أدق التفاصيل لهذا الكائن الغامض، إلا أنه في كل مرة يكتشف حقيقة مثيرة تزيد من إيمان المؤمن، وتدعو غير المسلم إلى عبادة الله وحده.
* من الاكتشافات المثيرة التي أصبحت حقيقية علمية، وذلك بعد دراسة أدق التفاصيل في خلايا الكائن الحي، اكتشاف مادة (البروتوبلازم)، وتعني مادة الحياة. والعجيب في الأمر أنها تتكون من نفس عناصر التربة، وصدق الله العظيم حيث يقول: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (كلُّكم لآدم، وآدم من تراب).
* إن البشر يشبهون التربة في كل شيء، فكما أن التربة لها ألوان مختلفة فكذلك البشر، وكما أن التربة تختلف في طبيعتها وتضاريسها فكذلك البشر؛ فالإنسان الذي يثمر فيه الطيب والمعروف يشبه الأرض الخصبة، وعكسه الإنسان اللئيم والجاحد الذي ينكر المعروف فهو يشبه الأرض الصلدة التي لا تنبت، ولكل إنسان طبيعته، فهناك الكريم والبخيل، وهناك الشجاع والجبان، وهكذا.
* على الرغم من تفاوت البشر في طبائعهم، فكل إنسان له طبيعته التي لا يمكن تغييرها.. ومهما حاول التصنُّع فإن (الطبع يغلب التطبع)، ولا يستطيع الإنسان تغيير جبلَّته.
* لقد جسَّد الشعر، سواء الفصيح منه أو النبطي، على مر العصور تلك الصفات والطبائع، وهناك الكثير من القصص الموثقة بالقصائد التي تصور لنا طبائع البشر، فهذا شاعر عربي قبل الإسلام، وهو صاحب إحدى المعلقات؛ زهير بن أبي سُلمى يصف لنا الجاحد؛ حيث يقول:
ومَن يصنع المعروف في غير أهله
يكن حمده ذماً عليه ويندم |
وهذا شاعر حديث في عصرنا الحاضر، وهو شاعر شعبي، هو حمد هادي المسردي يقول:
والله ان من يفعل الجود باللي ما يجود
مثل من حجج على غاربه ذباح ابوه |
|