اكتشفت إحدى السيدات فجأة وجود (ورم) صغير في ثديها، وفي خلال شهر من الفحوصات، كما يخبرنا زوجها، كانت قد نقصت أكثر من عشرة كيلوجرامات، وأصبحت شاحبة، ونحيلة بسبب الخوف من ذلك (الغول) الذي اسمه (السرطان).. وهو بحق مرض مخيف ومرعب.. ولكن لحسن حظ تلك السيدة التي أقامت احتفالاً كبيراً، كان الورم حميداً.. ورغم ذلك فقد نصح الأطباء تلك السيدة بضرورة الانتباه في الغذاء، والابتعاد عن الأغذية الدسمة، وممارسة الرياضة.
وفي هذا التحقيق يقدم لنا د. فروح شموط (إخصائي باطنية بمستشفى الحمادي بالرياض)، ود. ماجد أبو سنينة (رئيس قسم الطوارئ والإسعاف بمستشفى الحمادي بالرياض) إضاءات حول هذا المرض القاتل، حيث يتحدث د. شموط عن الوقاية من السرطان، بينما يتطرق د. أبو سنينة إلى الحديث بالتفصيل عن سرطان المريء.
*****
ما هو السرطان؟
بداية يوضح د. فروح شموط بأن مرض السرطان هو زيادة غير طبيعية في عدد خلايا العضو المصاب، والورم المتكون قد يعطي أعراضاً مختلفة حسب النوع، وطبيعة العضو المصاب، والأعضاء المجاورة له، وهنا تكمن خطورته، ويعتبر السرطان حالياً أهم المشاكل الصحية التي يواجهها العالم، حيث يصاب كل عام أكثر من عشرة ملايين شخص، ويموت حوالي ستة ملايين سنوياً، وهذا عشر إجمالي الوفيات تقريباً، ومع أن معدل الوفيات في نقصان، ولكن بسبب ارتفاع معدل العمر، وتغيير أساليب الحياة، وازدياد استهلاك التبغ، وقلة ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى العوامل البيئية، فإن كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان والذي من المتوقع أن يتضاعف في عام 2050م.
ومن جانبه يرى د. ماجد أبو سنينة بأن ثمة ارتباطاً بين عوامل معينة، خاصة بطريقة الحياة، وتزايد احتمال الإصابة بسرطان المريء، ومن هذه العوامل على وجه الخصوص التدخين، وشرب الكحول، وتأثيرها خطير، وبالرغم من أن الأفراد الذين يصابون بجزر معدل (حمض المعدة الذي يتدفق باتجاه المريء ويهيجه)، أو يتعرضون مباشرة للمواد الكيمائية المنزلية (كابتلاعها صدفة) تتزايد خطورة إصابتهم بهذا النوع من السرطان، إلا أن هذه الخطورة ليست بالدرجة التي يتعرض لها من يشربون الكحول ويدخنون بكثرة، وهناك اختلافات إقليمية، فأعلى نسبة للإصابة بسرطان المريء توجد في الصين، وشمال إيران، والجنوب الأفريقي، والجنوب الشرقي من أمريكا، بالإضافة إلى مناطق معينة من أوروبا الغربية.
علامات وأعراض
ويوضح د. ماجد أبو سنينة أن أول أعراض الإصابة بسرطان المريء هي في معظم الحالات صعوبة بلع الأغذية الصلبة في البداية ثم الأغذية الطرية والسوائل، علماً بأن الشعور بهذه الصعوبة في أي وقت يعني عادة أن السرطان في مرحلة متقدمة، ولذلك فإن من الأهمية بمكان إبلاغ الطبيب عن أية صعوبة في البلع عند حدوثها، وإجراء الاستقصاءات اللازمة لها بصورة فورية وشاملة، أما تشخيص سرطان المريء فيبدأ بفحص التاريخ الصحي للمريض بالتفصيل، بما في ذلك السن، والنظام الغذائي، وعادات التدخين وشرب الكحول والأمراض السابقة أيضاً، مع العلم بأن الفحص الشامل يتضمن كذلك صور الأشعة وفحوصاً أخرى، وكذلك صور الأشعة السينية، إذ من خلال هذه الصور يمكن عادة تحديد الصعوبة في البلع لدى المريض، وإذا كان سببها الورم أو أي مشكلة أخرى في وظيفة بطانة عضلة المريء، بيد أنه لا يمكن تحديد إذا كان الورم المشتبه به خبيثاً أو حميداً من الأشعة السينية فقط، وهناك أيضاً تنظير المريء والعينة التي تتيح للطبيب مشاهدة الجزء الداخلي من المريء، وإذا تمت مشاهدة مناطق يشك بها، فإنه يمكن للطبيب عندئذ أن يدخل ملقطاً صغيراً للغاية عبر الأنبوب لأخذ خزعة (عينة) بغية فحصها مجهرياً لتقصي وجود الخلايا السرطانية.
ويضيف د. أبو سنينة أن صور الأشعة السينية والتصوير المقطعي بالحاسوب للصدر تتم في حالة اكتشاف سرطان المريء، ويجب أخذ صور بالأشعة السينية للصدر، وكذلك تصويره مقطعياً بالحاسوب لمعرفة إن كان السرطان قد انتشر إلى أعضاء أخرى في الجسم.
الوقاية لتفادي الإصابة
ومع صعوبة المعالجة وتعذرها في أغلب الأحيان لحالات السرطان، فإن الوقاية هي الطريق الأسهل لتفادي الإصابة في حوالي ثلث الإصابات، كما يقول د.فروح شموط، وذلك عن طريق اتباع بعض النصائح المهمة، وتجنب عوامل الخطر المعروفة، وهذا يتضمن:
- الإكثار من تناول الفواكه والخضار التي تحتوي على فيتامينات (أ) و (ج)، وبشكل خاص الخضراوات ذات اللون الأخضر الداكن كالسبانخ أو الأصفر الغامق مثل الجزر، ومن الفواكه الخوخ، والمشمش، والفراولة، الجريب فروت، والبرتقال، وقد أظهرت دراسة أمريكية أن تناول الخضار والفواكه خمس مرات في اليوم تحمي من السرطان بنسبة 20% من الحالات، ولاسيما سرطانات المثانة، المريء، البنكرياس، الرئة وجوف الفم.
- الإكثار من تناول الألياف (حبوب القمح الكاملة، الخبز الأسمر، الفواكه والخضار): حيث وجد أن الألياف غير القابلة للهضم والامتصاص في جهاز الهضم تقي الغشاء المخاطي من تأثير المواد الكيماوية المسببة للسرطان والموجودة في الطعام، وفي دراسة أجريت في عشرة بلدان أوروبية أظهرت أن الأشخاص الذين يتناولون 35 غراماً يومياً من الألياف انخفض معدل إصابتهم بسرطان القولون بنسبة 40% عن أولئك الذين يتناولون 15 غراماً يومياً.
- الإكثار من تناول فول الصويا (خاصة لدى النساء)، حيث أكدت دراسة أن النساء اللواتي يتناولن أطعمة غنية بفول الصويا أقل عرضة للإصابة بسرطان الثدي.
وأوضحت الدراسة التي أجراها أطباء في أمريكا وبريطانيا، وسنغافورة، أن النساء اللواتي يتناولن هذه الأطعمة انخفض لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 60% مقارنة باللواتي يتناولن القليل من هذه الأطعمة المنتشرة في آسيا (خاصة الصين)، وعزت الدراسة إلى أن فول الصويا يحتوي على مادة كيماوية تدعى إيزوفلافون تقوم بإعاقة التأثير السلبي لهرمون الأستروجين الأنثوي في الثدي، وهذا ما يفسر انخفاض معدل الإصابة بسرطان الثدي عند النساء في آسيا، حيث يكثر تناول فول الصويا بالمقارنة مع النساء في العالم الغربي، حيث يقل تناول فول الصويا.
- الإكثار من النشاط الرياضي كالمشي، والركض، والسباحة يساعد في تنظيم الهرمونات، وعوامل النمو التي ترتبط بالسرطان، حيث وجد أنه على البالغين أن يقوموا بما مجموعة 30 دقيقة من نشاط متوسط في أغلب أيام الأسبوع.
- الإقلال من تناول الأطعمة المحتوية على نسبة عالية من الدهون، مثل الزبدة واللحوم الدسمة، حيث وجد أن الإكثار من الدهون يعزز عملية حدوث السرطان وخاصة سرطانات البروستات، الثدي، والقولون.
- الامتناع عن التدخين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية توفي 430000 إنسان في عام 2002م بسبب السرطانات أو أمراض متعلقة بالتدخين الذي يزيد من مخاطر الإصابة بسرطانات الرئة، المريء، البنكرياس، الكلية، المثانة، وعنق الرحم، وللوقاية من السرطان تخلص من سجائرك وتجنب التدخين السلبي.
- الامتناع عن الكحول، وجد أن تناول أي كمية بسيطة من الكحول بشكل يومي يزيد من احتمال الإصابة بسرطانات القولون، الثدي، الحنجرة، المريء، الكبد وجوف الفم.
- تجنب التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، حيث إن غالبية سرطانات الجلد تكون نتيجة التعرض لأشعة فوق البنفسجية والتي يأتي معظمها من أشعة الشمس.
- الوقاية الدوائية، تكون بشكل خاص عند النساء المعرضات للإصابة بسرطان الثدي نتيجة وجود قصة عائلية قوية، حيث وجد أن إعطاء دواء التاموكسيفين يقلل من الإصابة بهذا السرطان، لكنه غير مفيد في الحالات قليلة الخطورة..
ويبقى الكشف المبكر عن السرطان هو الوسيلة الأفضل لتجنب خطره، لذلك ينصح الكثير بالتحري السنوي لأشيع السرطانات، وعند الأشخاص الذين يكون خطر الإصابة عالياً.
علاج سرطان المريء
يعتمد علاج سرطان المريء على موضع الورم، كما يوضح د.ماجد أبو سنينة، ويمكن استخدام الجراحة أو المعالجة الإشعاعية أو كلتيهما في علاج سرطان المريء، مع العلم بأنه قد يضاف العلاج الكيمائي إلى العلاجات الأخرى في بعض الأحيان.
الجراحة
أما فيما يخص الجراحة بالنسبة لجراحة سرطان المريء فيقول د.أبو سنينة: إذا ما كان السرطان موجوداً في الجزء السفلي من المريء (أكثر من الثلث في الحالات كافة)، فإن الجراحة تعتمد في العادة كخيار العلاج، وبواسطتها يتم استئصال الجزء السفلي من المريء والجزء العلوي من المعدة، وحتى يتمكن المريض من الأكل بصورة طبيعية مجدداً، فإنه يتم وصل المريء والمعدة معاً من خلال سحب جزء من المعدة إلى الأعلى، كما تستخدم الجراحة لاستئصال بعض أنواع السرطان في الجزء العلوي من المريء، وإذا ما كان سحب المعدة إلى الأعلى بما يكفي للتوصيل بين المعدة والمريء أمراً غير ممكن، فإنه يمكن استبدال الجزء المستأصل من المريء بأنبوب يتم تصنيعه من جزء القولون أو الأمعاء الدقيقة، وفي بعض الأحيان يتعذر عملية الاستئصال كما خطط لها إذا ما تبيَّن وقت العملية أن السرطان منتشر أكثر مما ينبغي، وفي هذه الحالة يمكن تثبيت أنبوب صناعي بعد العملية لدى المرضى من أجل أن يستعيدوا قدرتهم على البلع بعد الجراحة.
أما في يخص العلاج الإشعاعي: فيمكن استخدام العلاج الإشعاعي بمفرده لمعالجة الأورام في الجزء العلوي من المريء، وتخفيف الأعراض مثل الألم والصعوبة في البلع، كما يمكن استخدام العلاج الإشعاعي قبل الجراحة لتقليل حجم الورم، وأحياناً بعد الجراحة للقضاء على الجزء الباقي من الأورام التي تعذر استئصالها بالجراحة، ومن التأثيرات الجانبية للعلاج الإشعاعي التفاعلات الجلدية، والغثيان والتقيؤ والشعور بالتعب.
العلاج الكيميائي
وفي الختام يحدثنا د. ماجد أبو سنينة عن العلاج الكيميائي فيقول: يستخدم العلاج الكيميائي في الوقت الحالي فقط لتخفيف الأعراض لدى المرضى الذين عولجوا جراحياً أو بالأشعة من سرطان المريء ولكن المرض عاودهم أو تبيَّن انتشار السرطان لديهم في أعضاء الجسم الأخرى، ويمكن أن يستخدم هذا العلاج مع الجراحة والعلاج الإشعاعي في الوقت ذاته.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه تبيَّن من الدراسات التي أجريت أن استخدام العلاج الكيميائي، والعلاج الإشعاعي لعلاج المرضى يتحملونها معاً، يعطي نتائج أفضل من استخدام العلاج الإشعاعي بمفرده في معالجة المرضى غير المؤهلين للجراحة.
التحسن في حالات مرضى سرطان المريء: إن المعدل الإجمالي للشفاء التام هو في حدود 8%، أما إذا شخص السرطان في مرحلة موضعية (بدائية)، فإن هذا المعدل يقترب من 20%، لكن نسبة الحالات التي يتم تشخيصها في مراحل مبكرة هي 25% فقط.
|