* غزة
من سينثيا جونستون - رويترز:
يوسف.. ذلك الشاب الفلسطيني النحيف البالغ من العمر (19 عاما) ترك المدرسة كي يعمل في حفر القبور بمقبرة في غزة دفن فيها ثلاثة من زملاء الدراسة استشهدوا برصاص الإسرائيليين.
ومقبرة الشيخ رضوان حيث تنتشر شواهد القبور البيضاء على ربوة رملية تكاد تكون ممتلئة عن آخرها بقبور الرجال والنساء والاطفال الذين قتلوا في الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت قبل أربعة أعوام.
ويشير يوسف الى قبور رفاقه التي حفرها بيديه ويقول متذكِّراً صدمته (كنت أفكر كيف كانوا معي يوماً ثم استشهدوا هكذا.. ومع كل جرائم القتل التي يرتكبها الاسرائيليون مع الفلسطينيين يزداد العمل).
وقتلت القوات الاسرائيلية اصدقاء يوسف العام الماضي فيما كانوا يحاولون التسلل الى مستوطنة اسرائيلية حصينة لشن هجوم بسكين، ولم يكن لهم أي صلات معروفة بجماعات الناشطين.
وقد احترف يوسف مهنة حفر القبور مع العديد من الصبية والشبان الفلسطينيين الذين يمضون عطلات الصيف في العمل بالمقبرة لحفر القبور وحراستها أو الذين انقطعوا نهائياً عن الدراسة.
ويقول حفارو القبور إن معدل تدفق جثث الشهداء تسارع وسط تزايد العنف قبل انسحاب إسرائيلي مزمع من قطاع غزة العام القادم.. وتسعى إسرائيل دون جدوى، إلى تحطيم النشطاء قبل هذا الانسحاب.
ويقول يوسف الذي يحفر القبور منذ سبعة أعوام مقابل أقل من عشرة دولارات يوميا بعدما ترك المدرسة الثانوية إنه حفر أكثر من 400 قبر في المقبرة التي تدفن فيها ايضا جثث توفي أصحابها وفاة طبيعية خارج ساحات المواجهات مع القوات الاسرائيلية، وقال (لقد أصبحت حياتي.. سأواصل العمل هنا إلى أن يغلقوها).
وقتلت اسرائيل أكثر من الف فلسطيني من النشطاء والمدنيين في غارات برية وجوية على غزة منذ بدء الانتفاضة في عام 2000.
وتقول جماعات حقوق الانسان ان ثلاثة آلاف فلسطيني على الاقل قتلوا في غزة والضفة الغربية.
وفيما يحفر الصبية الأكبر سناً القبور للضحايا الجدد في المقبرة التي تضم أيضا رفات العديد من ضحايا الانتفاضة الاولى خلال الفترة بين 1987 و1993 يتطلع إليهم الصبية الأصغر بمزيج من الخوف والحسد.
ويقول الصغار إنه شرف أن يساعدوا في حفر قبور (الشهداء) إلا أنهم يعربون أيضاً عن خوفهم من الأفاعي والموتى.
ويقوم بعضهم برش الماء على القبور بينما يقود فريق آخر قطيعاً من الأغنام وسط المقبرة التي زُينت بعض قبورها بسعف النخيل والزهور.
وقال يحيى أبو دقين (12 عاما) الذي يعيش قرب المقبرة التي تتناثر بها نباتات الصبار (عندما يكون هناك كثير من الشهداء أقدِّم يد العون). وتابع (أخاف.. أخاف أن يكون هناك ثعبان في المقبرة.. آتي إلى هنا ثلاث أو أربع مرات اسبوعياً.. جدي هنا وعمي أيضاً)، وحتى الموتى لا يمكن لهم النجاة من المواجهات، فقد دمرت بعض القبور عندما قصفت اسرائيل مبنى لقوات الأمن الفلسطينية يتاخم المقبرة.
وقال صبي فلسطيني عمره 14 عاماً قدم للعمل في المقبرة بعدما طرد من المدرسة لسوء السلوك إنه يخشى الأفاعي.. ويقول (انها مرعبة وخطيرة).
الا ان ذلك الخطر من النوع الذي يلهب حماس الصغار مثل يحيى الذي يتبع خطى حفاري القبور ويعرض خدماته لمساعدة الزائرين لارشادهم لقبور ذويهم.
وقال محمد شرف البالغ من العمر 18 عاما والذي يعمل في المقبرة منذ كان عمره 14 عاما: (شعرت بالخوف في المرة الأولى.. لا أحد يحب حفر القبور.. لكني اعتدت الأمر.. الآن أحفر يومياً).
|