Monday 6th September,200411666العددالأثنين 21 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
(مشاحنات) أكاديمية تنتهي ب (امتياز)!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

تراودني نفسي أحياناً أن أشهد جلسة مناقشة لرسالة (ماجستير) أو (دكتوراه) في بعض جامعاتنا، لغايتين:
أولاهما: الاستفادة من المحصول العلمي للأطروحة، خاصةً إذا كان لها علاقة بعملي أو باهتمام آخر أرعاه قراءةً وتتبعاً.
وثانيتهما: الاستمتاع عن كثب بالمداخلات الأكاديمية و(الملاسنات) غير الأكاديمية أحياناً بين صاحب الأطروحة وفريق المناقشة، والاستفادة مما يفرزه ذلك الجدل من آراء ومعلومات!
***
ولستُ أنكرُ أنّ متابعة (سيناريو) المناقشة في بعض تلك الجلسات لا يخلو أحياناً من (متعة) بسبب ما قد يرافقها من مواقف تتعالى فيها الأصواتُ، وتتقارعُ الحججُ، وتتكشفُ من خلالها خصالُ الضعف والقوة لدى المتحاورين، بمن فيهم صاحب الأطروحة نفسه، وقد يبلغُ التوتر عند بعضهم حداً يتشنج فيه الذهنُ واللسانُ معاً!
***
ويمنحني الحظ بين الحين والآخر فرصة متابعة بعض الحلقات المسجلة لتلك الجلسات عبر المذياع، فمرة أشعر بتعاطف مع صاحب الأطروحة ظناً مني بأنه قد أثرى موضوعها بحثاً وتحليلاً واستنتاجاً، وأخرى، يلازمني شعور بالإحباط لاعتقادي بأن الطالب قد أخفق في إشباع بعض جوانب البحث مادة وتحليلاً، أو قصَّر في مراعاة بعض أصول منهجية البحث، لغة أو استشهاداً أو توثيقاً، وهذا ما قد يستفز فضول أحد المناقشين للأطروحة أو بعضهم فيصلون صاحبها نار النقد لمنهجه، تلميحاً وتصريحاً!
***
وقد يعلو صوت أحدهم ناقداً، وتحتد نبراته إلى حد إقحام بعض الألفاظ التي ينكرها العرف الأكاديمي، ومناخ المناقشة، وهيبة المكان، فيصاب صاحب الأطروحة بالحرج، وينعقد لسانه، فلا يقوى على الرد، وقد يلجأ إلى الاقتصاد في رده كيلا يأتي من الكلام ما يغضب بعض أطراف المناقشة، فيتفاقم الموقف ضده، ويتوقع المستمع في نهاية الأمر أن تبوء الأطروحة بالفشل الذريع، ترتيباً على نتيجة الحوار!
***
ثم تنسحب لجنة الحوار للتداول، فيما يحتار الحاضرون في تخمين النتيجة في كل اتجاه، وفي الوقت نفسه، يظلون يراقبون وجه صاحب الأطروحة، وقد كسته ألوان الطيف توتراً ولهفة لمعرفة النتيجة، ثم تعود اللجنة للانعقاد بعد حين للنطق بالحكم على الرسالة، ويذهل الحاضرون، وربما صاحب الرسالة نفسه، وهم يستمعون إلى رئيس اللجنة (يثني) على الأطروحة وصاحبها ثناء لا يؤيده سياق النقاش الذي سبق النطق بالحكم! ويمنح الطالب الدرجة التي تقدم لها مع (مرتبة الشرف) وقد توصي اللجنة بطباعة الرسالة على نفقة الجامعة، تعميماً للفائدة منها!
***
هنا فقط يتساءل المستمع، ماذا كان دور السجال الحادّ بين اللجنة وصاحب الأطروحة، وما كشفته المناقشةُ من عثرات علمية، رأت اللجنة في حينه أنها تخل بالأطروحة، مضموناً ومنهجاً؟ وقد يتراءى لبعض المستمعين أن النتيجة ربما كانت (محسومةً) سلفاً لصالح الطالب، وأن المناقشة لم تعد أن تكون (عرضاً مسرحياً) قُصدَ منه شدُّ المستمع، وإمتاعُ أعضاء اللجنة بكر وفر الجدال على حساب أعصاب الطالب والجمهور معاً!
***
وبعد، فإن ما عرضته السطور السابقة ليس انتقاداً للأعراف الجامعية المدونة والموروثة، فللجامعة خصوصيتها وحصانتها، لكن المستمع لبعض ما يبثه المذياع بين الحين والآخر، لا يملك أن يصد الرغبة في تأمل تلك المناقشات بمشاعر متفرقة، وإذا كان هناك من نقد مبطن عبر هذا الحديث لأسلوب المناقشة، فإن المسير له هو الغيرة على التقليد الأكاديمي من الانزلاق في متاهات لا تمت له بصلة، وأن من الضرورة المحافظة على حد أدنى من الهيبة لمثل هذه الطروحات الفكرية، كي لا تكون هدفاً للغمز أو اللمز من أي صوبٍ كان!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved