Sunday 5th September,200411665العددالأحد 20 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مدارات شعبية"

قراءة متأخرة لصور الرحلة الأخيرة قراءة متأخرة لصور الرحلة الأخيرة

* كتب - سامي الفليح:
(1)
لعاقل الزيد في قلبي وعقلي مكان ثابت، ورحيله ترك ألماً له مرارة الرصاص أيضاً في قلبي وعقلي، وقد أجيد أي شيء في الدنيا إلا بكاء الأحبة ورثاءهم، لا إنني لا أجيد التطواف والنظر والاستمتاع في هذه الدنيا دون رؤيتهم يحيطون بي وأحيط بهم، ولأنني لا أجيد الفرح إلا بهم، الأصدقاء إحدى هبات الحياة العظيمة، لذلك فقدهم يجعل العالم مشلولاً وبلا حركة، والزمن متوقفاً عن لحظة الوداع، وعاقل الزيد كان إحدى أجمل هذه الهبات، هادئاً، هامساً، حالماً يعيش الحياة كما يليق بشاعر، ويجيد تفريق المحبة مثل إجادته الشعر.
(2)
لم أر صديقاً يحتفي بأصدقائه ومحبيه كما كان يفعل عاقل الزيد، كان الرجل حميمياً لا يفبرك أحاسيسه، ولا يقدم مذكرات تفسيرية وشروحات مطولة عما يقصد، لم أسمع منه طوال فترات التقائنا كلمة نابية أو نية مدببة تجاه أي شخص حتى الذين كانوا يجيدون كراهيته ورغم ذلك لم يكن يهدي لهم سوى النوايا والتمنيات بحياة ونيات أفضل، مدهشا كان في حضوره، كما كان غيابه دراماتيكياً ولكنها الدنيا، سلساً في تعابيره الشعرية لا يتفذ لك، صوره وقصائده الشعرية تنساب بتلقائية قل أن تجدها، صدقه مثل صداقته، باهر ومشع.
(3)
قلت من البداية: إنني لا أجيد بكاء الأحبة، فكيف إذا كان ذلك في الأصدقاء حتى أكاد أشعر أنني بلا قلب، الرحيل المر هو ما يجعل الدنيا تُختصر في سنتميتر مربع، وموت الغالين يشبه أن قذيفة تنفجر في قلبي كل ثانية بهدوء وارتباكي هنا يماثله ضعفي أمام قدر الله.
(4)
في هذه الصور تفاصيل كثيرة، في هذه الصور آخر رحلات الشاعر الراحل عاقل الزيد، التقطت في منطقة الجوف أثناء حضوره ووالدي - حفظه الله - فعاليات مهرجان منطقة الجوف حيث أقام آخر أمسياته وصدح بأعذب القوافي وكأنه يدرك أن الرحيل قريب، فجاء الحضور مدهشا، وحفاوة المكان ألقت بظلها على روحه التي صعدت الى السماء بعد أسبوع، هذه الصور هي آخر ما ترك ورأيت أنه نشرها بعد الاستئذان من والدي هي مسألة مهمة وحق من حقوق جمهور الشعر الذي لطالما أطربه الراحل ببهاء قصائده، رأيت أن الاحتفاظ بها في الألبومات شيء يشبه الأنانية السافرة، فها هنا أتركها بين أيادي القراء، صور مفعمة بالتفاصيل، مفعمة بحياة قصيرة ولكنها مؤثرة، تفاصيل التقطتها كاميرات المحبين للحظات من هذا الدرب الطويل من التعب المسمى (الحياة)، وها أنا أنشرها هنا في الجزيرة، حباً في المكان الأحب لدى عاقل الذي لم يكن يحب شيئاً في الحياة كهذا المكان الذي شهد أولى انطلاقاته الوجدانية والإبداعية الذي ظل يحتفظه بقلبه النقي بشاهد عرفان أبدى للرجل القائم على هذه الصفحة الاستاذ الحميدي الحربي الذي كان أحد آبائه الشعريين وكذلك أباً للكثير من الشعراء الذين أجادوا التنكر له أكثر من إجادتهم لعرفانه.
لك هناك أيها الراحل الجميل، حيث الصدق والوضوح وكل الأشياء الجميلة التي نشدتها في هذه الحياة، لك هناك بعيداً عن كل هذا الزيف والطنين، لروحك الرائعة ولصداقتك النبيلة، لك هناك حيث تركت الفقد لنا، لكل ذلك أعذر قلمي المشلول ومشاعري المضطربة، فلا تتوقع أنه فقدك بالأمر اليسير، أو أن رحيلك يشبه الحزن لا.. فرحيلك أيها الصديق لايشبهه أي شيء ليس له مقابل ولا مثيل، وفقدك أمر لو رأيته على وجوه الأحبة ساعة الوداع لكنت عذرتني على كل هذا الارتباك ومثلك يعذر فوداعاً صديقي الى حين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved