التاريخ القضائي للمملكة.. سجل حافل بالمنجزات الوطنية.. التي أرست دعائم العدالة في بلادنا.. ورسَّخت مفاهيمها الحضارية.. ولا يمكن أن ننكر أو نتجاهل الصفحات البيضاء لعناوين بارزة في مسيرة القضاء في بلادنا.. من أمثال سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - وسماحة العلامة الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - وسماحة العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي حفظه الله.
** هؤلاء الثلاثة.. يمكن وصفهم بكل ثقة ومصداقية.. بأنهم رموز المسيرة القضائية في المملكة.. وقد منح الله سبحانه وتعالى كلاً منهم - بالإضافة الى التمكن من العلم الشرعي - سعة الأفق وبُعد النظر والعمق والفراسة والعمل الصادق، الدؤوب لخدمة دينهم ووطنهم.. فمع القضاء.. فتوى وإرشاد وتوجيه.. ولن ينسى أي منا.. الجهود التي بذلها هؤلاء الكبار.. حيث أعطوا بصدق وجد لأمتهم ووطنهم وعملهم جزاهم الله خير الجزاء.
** لقد كان هدف الجميع.. هو تطبيق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. في أحكامنا القضائية.. لينعم كل مواطن بأحكام ديننا العادلة.. التي تأسس عليها كيان الدولة.. وأصبحت مصدر اعتزازها.. الذي لا يمكن أن تساوم عليه أو تزايد فيه.. وهي في وجدان كل مواطن.. تمثل الهوية والكيان.. ويجب أن تعرض عليها جميع الرؤى.. التي يقترحها البعض لتحديث وتطوير الجهاز القضائي.. وسنِّ أي أنظمة أو لوائح جديدة.. لأنها في الحقيقة تمثل الأصل والقاعدة.. فالذي يتفق أو على الأقل.. يتجانس مع السياسة القضائية للمملكة يؤخذ به، وما عداه يُترك.. ومن المهم جداً في هذا السياق.. الاستبصار بخبرة القيادات القضائية التي تعاير بدقة وموضوعية مكمن الصالح فتؤيد ما فيه نفع وخير.. وتتحفظ على أي خطوة قد تكون نتائجها سلبية.
** ولا يمكن أن ننسى في هذا.. فضل الله تعالى على هذه البلاد.. حيث وفق قيادتها إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شأن من شؤونها.. مع عدم التساهل والرِّضا بأي خيار غير خيار الكتاب والسنة.. الذي يمثل دستور الدولة.. كما نص على ذلك.. النظام الأساسي للحكم.. ونحمد الله تعالى.. على التأكيدات المتوالية من ولاة الأمر على هذا المعنى، الذي شكَّل الملامح العامة والخاصة لسياسة بلادنا.. التي تجمع بين الحرص على ثوابتها الإسلامية والإفادة من المعطيات الحديثة التي لا تتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، ولا تتعارض أيضاً مع المقاصد التي تهدف إليها تلك النصوص.. وأقرب مثال يمكن أن نشير إليه في هذا الصدد صدور الأنظمة العدلية الثلاثة التي توجها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز- أيده الله-بثلاثة مراسيم ملكية، وقد لمس الجميع الأثر الإيجابي والصدى الطيب لهذه الأنظمة.. التي تركزت غالب موادها - خاصة نظام المرافعات الشرعية - على الثروة القضائية الخصبة التي تضمنتها قرارات مجلس القضاء الأعلى، وشكلت مبادئ وأسساً وسياسات قضائية.. أفاد منها القضاة في السنين الماضية ولا زالت ولا تزال حتى اليوم تمثل بالنسبة لهم مرجعاً مهماً في أحكامهم.
** أقول هذا في وحي ما اطلعت عليه من دراسات جُمعت ونُشرت على خلفية صدور تلك الأنظمة.. خاصة البحوث المقدمة لندوة القضاء والأنظمة التي نظمتها وزارة العدل مطلع هذا العام.. فقد وجدتها - بالفعل - زاخرة بثروة قضائية شرعية مؤسسة.. خرجت كلها من رحم الإنجازات القضائية لهذا المجلس الموقر، ومن أروقة محاكمنا وتاريخنا وسجلنا القضائي المشرق المشرِّف.. الذي شكَّل رصيداً معلوماتياً ومخزوناً علمياً هائلاً.. كان وراء وجود هذه الأنظمة وركيزة أساسية لها.
** لقد أكَّد ولاة الأمر في بلادنا على أهمية الثوابت والأسس التي قامت عليها الدولة عند التطلع لأي خطة تطويرية وفي طليعتهم القائد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه حيث يقول: (نحن نريد أن نسير إلى الأمام ولكن بأقدام ثابتة وعلى ضوء النهار.. ان رأينا وآمالنا في السير إلى الأمام.. يجب أن يكون وفق ما كان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه السلف الصالح.. فما كان موافقاً للدين في أمور الدين سرنا عليه، وما كان مخالفاً للدين.. نبذناه).. ا.هـ.
** وهذا ما يؤكِّده دوماً في كل مناسبة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد حفظهما الله.
** ولا شك أنها كلمات مضيئة، فجزى الله موحِّد هذا الكيان عنها وعن أقواله وأعماله الجليلة كل خير.. وجزى الله أبناءه البررة على ما قدموا لخدمة هذا الوطن كل خير.. ولا شك أن علماءنا الأفاضل يقرؤون القراءة الصحيحة ومضامين هذه المعاني التي يؤكِّد عليها دوماً ولاة الأمر، وهي التي ترسم بثبات واعتزاز.. الخطوط العريضة في هذا الشأن.
** ولا شك أيضاً.. أن علماءنا أدرى بما يوافق أو يخالف الشريعة الإسلامية.. والقيادات القضائية على وجه الخصوص هم من تعوِّل عليهم الدولة وفقها الله في شأنها القضائي.. فهم رجالها المخلصون وعلماؤها الراسخون.. وهذا ما حصل وتحقق بالفعل.. فالرصيد القضائي لدينا خلال السنوات الماضية كان وراء كل نظام جديد.
** إن التصور العاجل أو المبتسر- كما يُعبِّر إخواننا المحامون نحو أي خطوة تنظيمية أياً كان مجالها في القضاء أو غيره- سيؤدي بدون أدنى شك إلى حصول تصور غير مكتمل، وقد لا يحقق النتائج المرجوة، وإذا كان كذلك فهو بدون شك دون طموح القيادة الرشيدة.
** إن كل فكرة يجب أن تدرس دراسة شاملة ومتكاملة من جميع الزوايا.. ويجب أن تكون مفيدة وعلى مستوى الطموح والآمال.. والذي يقدر على ذلك -لا سيما تحاشي الأمور السلبية - هي القيادة القضائية التي تزامن وتعايش عن قرب تطور نظامنا القضائي.. بل تزامنت مراحل تأسيسه مع وجودهم.. ولا زال إشعاعهم يضيء وإخلاصهم وولاؤهم يتجدد.. ولا تزال قبل هذا وبعده الرعاية الكريمة والمتابعة الدؤوبة من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده تسعى جاهدة لكل ما من شأنه النهوض بكافة قطاعات الدولة، وتحقيق النقلات النوعية والحضارية لها.. لتسير قافلة الخير دون توقف.. بهمم قادتها وسواعد رجالها المخلصين.
** إننا اليوم ونحن كصحفيين وكتَّاب ومثقفين نتابع بإعجاب ورضا كبيرين مسيرتنا القضائية التي كانت واحدة من أبرز عوامل الاستقرار والأمن والسعادة والفلاح التي ننعم بها في هذا الوطن.
** إننا - كمواطنين - نقدر كل التقدير لسماحة الوالد الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ما بذله من جهود عظيمة في مسيرة القضاء السعودي.. حيث كان سماحته واحداً من أبرز أعمدته الراسخة الواثقة طوال العقود الماضية وحتى اليوم.. وهو يعطي في كل اتجاه.. علماً، وقضاءً، وفتيا، ودعوة وإرشاداً.
|