*إعداد ومتابعة - مسلّم الشمري:
من الصعب على الإنسان السوي المسلم ان يقتل والده او والدته، او يهدم منزله ويدمر سيارته، او يضر بمصالح اشقائه وجيرانه، فالخلايا الإرهابية وعناصرها المارقة قتلت الطاعنين بالسن رجالاً ونساءً وأطفالاً وشباباً.. واستهدفوا ممتلكات الوطن ومقدراته وأضروا بمصالح الشعب واقتصاده، متجاهلين قول الله تعالى {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، فهذه الآية القرآنية الكريمة تؤكد أن هؤلاء المخربين المجرمين الإرهابيين شاذون وبعيدون كل البعد عن تعاليم الإسلام السمحة العادلة الوسطية، فهؤلاء المارقون استهدفوا النفس البريئة سواء كانت مواطنة او مقيمة.. معاهدة او آمنة وشوهوا الإسلام بأفعالهم القبيحة.
(الجزيرة) تفتح ملفاً موسعاً حول انعكاسات الأعمال الارهابية في بلدنا الطاهرة على جميع المجالات الإسلامية والثقافية والاقتصادية والسياحية عبر سلسلة حلقات تستضيف فيها المختصين والأكاديميين وصناع القرار.
ونبدأ معكم أعزائي القراء مع ما عكسته هذه الأعمال الإرهابية على سمعة الدين الإسلامي ومنظماته وهيئاته وعلمائه ورموزه في أنحاء المعمورة، حيث تقرؤون في السطور التالية أحاديث ذوي الشأن الإسلامي داخل المملكة وخارجها والى التفاصيل:
****
في البداية تحدث وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد للشؤون الإسلامية الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري قائلاً: بلا شك ان هذه الأعمال الارهابية الأخيرة التي شهدتها المملكة مع الاسف الشديد والتي مع الأسف تدثرت بدثار الدين لها انعكاسات سلبية كثيرة على الدين الإسلامي وعلى الأمة وعلى الوطن. ولعل من أهم سلبياتها ما انعكس على سمعة الاسلام والمسلمين. والإسلام باعتباره دين عالمي وعلى المسلمين في تعاملهم مع الآخرين كان لهذا اثره الواضح في الاثر السلبي على الدعوة الإسلامية وعلى المؤسسات الإسلامية وعلى علماء المسلمين ورموزه. ومع الأسف أثر هذا أيضاً على المملكة العربية السعودية في الداخل والخارج باعتبارها الدولة التي قامت على الإسلام عقيدة وشريعة ودعوة وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وقضاءً ونظام حياة. هذا التأثير يلمسه كل إنسان مطلع بل الإنسان العادي يلمس هذا التأثير.
وأشار الدكتور السديري الى ان مسيرة الدعوة الإسلامية لابد أن تتأثر بهذه الأحداث المؤسفة. وهذا يتطلب منا بذل المزيد من الجهد والوقت والمال لتوضيح الصورة الحقيقية عن الإسلام والمملكة التي اساء عليها هؤلاء المخربون وشوهوها في الداخل والخارج، وكذلك اختلاف التعامل مع المسلمين ومع منظماتهم والجميع في خارج الدول الإسلامية يتعاملون معهم بالشك والريبة. وهذه من انعكاسات الأفعال السيئة التي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن الإسلام وتعالميه السمحة العادلة الوسطية.
وأوضح وكيل الشؤون الإسلامية، ان المؤسسات الدعوية والخيرية تأثرت كثيراً بسبب الأعمال الإجرامية وانعكست هذه الأعمال الارهابية على تقليص أعمالها ونشاطها الذي هو في الأساس عمل إنساني خيري يهدف لصالح الإنسانية والمساهمة في البناء الحضاري الإنساني. وجاءت الأعمال الإجرامية لتفسد وتكون نظرة رفض وعداء ومن كان في السابق محايداً في نظرته للإسلام والمسلمين قد تتغير في الجهات السلبية تجاه الإسلام والمسلمين.
وفي هذا السياق قال مدير عام مؤسسة الحرمين الخيرية سابقاً الشيخ عقيل بن عبدالعزيز العقيل: لا يمكن ان نفصل الارهاب الحاصل في المملكة عن الارهاب الحاصل في كل أنحاء العالم فهناك ارتباط وتشابه في الآثار والنتائج فيما يتعلق بالقضايا الارهابية سواء كانت داخل المملكة او خارجها لاشك ان المسلمين تأثروا كثيراً على مختلف الأصعدة وتأخروا كثيراً اقتصادياً ودعوياً ودينياً واجتماعياً بسبب هذه الأحداث المؤسفة والمؤلمة. وسوف أركز حديثي على أثر هذه العمليات الآثمة على انطلاقة الدعوة الى الله سبحانه وتعالى. وأضاف الشيخ عقيل ان الإسلام هو دين الرحمة والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث للعالمين اجمعين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وما فتىء الدعاة منذ زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم ينطلقون بهذا الدين شرقاً وغرباً حتى ولله الحمد فتحت بلاد بأكملها بدون سلاح وبدون قتال بل بالدعوة وبالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالقدوة الحسنة كذلك وبالمثل الأعلى كما حصل في اندونيسيا وغيرها من بلاد المسلمين التي انتشر فيها الإسلام وفي الوقت الحاضر المؤسسات الإسلامية الدعوية انطلقت بنور الإسلام شرقاً وغرباً حتى عم الإسلام ولله الحمد جميع أنحاء الدنيا ويكفي أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها خلال الخمس والثلاثين سنة الأخيرة بُني وأسس فيها أكثر من ألفين مسجد. هذا عندما كانت الدعوة تنطلق بالتسامح وبروح المحبة والاخوة الإنسانية والتبشير بالدين الإسلامي تبشيراً حقيقياً، أما لما انقلبت الأمور وصار الإسلام عند هذه الفئة الضالة يعني القتل والتفجير وذبح الأبرياء فطبعاً ما فيه شك ان هذه الأحداث عرقلت مسيرة الدعوة الى الله وصار الداعية يحسب ألف حساب قبل ان يسافر الى الدعوة خوفاً من العراقيل التي تواجهه في المطارات والدول المضيفة ولابد ان نتفهم موقف هذه الدول لأنه اذا كان هؤلاء المفجرون المخربون يعملون هذه الأعمال الارهابية وباسم الإسلام فهذه الشعوب التي من المفترض ان تستقبل الدعاة بصدر رحب ولكن الآن صاروا يتوجسون خيفة من كل ما هو إسلامي ولابد ان نتفهم موقفهم. ولذلك يجب علينا كمسلمين أن نحارب الارهاب والافساد قبل ان يحاربه غيرنا لأننا نحن المتضررون أولاً ولابد من وضع في تقديري استراتيجية للدعاة ينطلقون من خلالها تسير على منطلقين، المنطلق الأول مكافحة الارهاب لأنه عائق في سبيل الدعوة والمنطلق الثاني هو بيان سماحة الإسلام وبرأة الإسلام من هذه الأعمال الشنيعة التي لم تأت علينا بخير لا من نواحٍ اقتصادية ولا اجتماعية ولا دينية بل اخرتنا وعطلتنا حوالي عشرين عاماً الى الوراء بل أكثر. وأشار الشيخ العقيل الى ان نشاط القطاع الخيري السعودي في الخارج تضدر بشكل كبير فجميعنا نذكر ان أعمال ونشاط القطاع الخيري السعودي قبل احداث سبتمبر كانت الجمعيات والمؤسسات الخيرية السعودية تنطلق لتساعد المسلمين في كل مكان وكانت محل عناية العالم ومثار اعجاب من جميع الهيئات الدولية والدول. أما الآن فللأسف صار أي عمل سعودي في الخارج موضوعاً في قفص الاتهام وينظر اليه على أنه له علاقة من جهة او من أخرى بالارهاب والافساد. وهذه لا شك اثرت علينا كثيراً بل تسببت في انهيار العمل الخيري. وبيّن فضيلته لو يعقل هؤلاء المفسدون في الارض ماذا اصابنا وأصاب الأمة وأصاب الدعوة الى الله سبحانه وتعالى لربما رجعوا الى الله سبحانه وتعالى وسلكوا الطريق الذي رسمه النبي - صلى الله عليه وسلم- في الدعوة الى الله وفي تغيير المنكر وفي نشر الخير. وهو قوله عليه الصلاة والسلام (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع الرفق من شيء إلا شانه) والنبي -صلى الله عليه وسلم- ظل ثلاثة عشر عاماً وهو يدعو الى الله ويتحمل الأذى ويبلغ دين الله حتى انتشرف في الأرض ولم يكن الاسلام في يوم من الأيام مبنياً على العنف او على القتال. والاسلام ينتشر بالكلمة الطيبة ونحن الآن في عصر تلاحمت فيه المجتمعات وصار العالم كله مثل القرية الصغيرة بهذه الاتصالات ففرصة لنا ان نظهر سماحة ديننا لان هذا الدين اختاره الله ليكون دين البشرية جمعاء والبشر لم تتح لهم الفرصة للتعرف على هذا الإسلام وإلا لاعتنقوه لأنه دين المحبة والاخوة والسماحة والتقدم والعلم وجميع منظومات الخير. واختتم الشيخ العقيل كلمته بأن يتقوا الله هؤلاء المفسدون لأنهم عطلوا الدعوة وتسببوا في الاضرار بالأمة الإسلامية ليس فقط بانهيار مؤسسات إسلامية بل بانهيار دول كلها بسبب هذه الأعمال غير المسؤولة التي وللأسف تصدى لها بعض الجهال الذين يعتقدون أنهم علماء وهم في اقع الأمر والله الواحد منهم اجهل من حمار أهله.
من جهته قال مدير مركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية الشيخ أحمد بن علي الصيف إنني في بلد يبعد عن المملكة حوالي عشرين ألف كيلومتر ولكن دائماً نضرب المثل الأعلى في الأمن والأمان وحقوق الإنسان في السعودية وفيها لا ينام إنسان جائعا ولا ينام إنسان مظلوما ولا تهتك الأعراض والآن أصبحنا نخجل والإعلام يروج هذه الأشياء وهو بيد الصهيونية العالمية ويكبرونها ويضخمونها وهذا يسيئ لنا كمسلمين وعرب والنتائج من هذه الأعمال كانت في خط معاكس للإسلام والمسلمين وللدعوة حتى أصبح الآن أي إنسان ملتح ينظر له على أنه ارهابي ويحذرونه منه وانه يسفك الدماء بينما العكس كما قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، فالإسلام حافظ على حقوق الحيوان وإذا أنت تريد ذبح ذبيحة وهي حلال ذبحها تسل السكين ولا تؤذيها وتريحها في الذبح، فكيف بمن قطع الأشلاء وقتل الأرواح ويتَّم الأطفال ورمَّل النساء ولا بد ان ينظر هؤلاء الارهابيون الى المملكة بلد الحرمين الشريفين بلد الحج والعمرة بلد يلتقي به العالم عشرات الملايين من الناس تأتي هفوا الى هذه البلاد المباركة في كل شهر وهل يكون استقبالهم بالقنابل والمتفجرات وانتهاكاً لحرمة الأماكن المقدسة وانتهاكاً لحرمة الزمان أيضاً؟.
من جهة أخرى يقول الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور صالح بن سليمان الوهيبي ان للتفجيرات والأعمال الارهابية التي شهدتها المملكة أثار انعكاسات سلبية على مختلف جوانب الحياة فيها، وبعض هذه الانعكاسات محسوس بشكل يومي، ويتمثل في نقط التفتيش التي تعرقل الحركة، والمصدات الاسمنتية التي تحيط ببعض المصالح الحكومية والأهلية.. الى غير ذلك. ومن الآثار ما لا يدركه كل أحد، ومنها الآثار على سمعة المملكة في الخارج، فقد بدأ بعض المغرضين يصورها على أنها لم تعد آمنة، وان الحياة فيها محفوفة بالخوف.
وسوف اكتفي بالحديث عن انعكاسات الاحداث على المنظمات ورموز العمل الاسلامي نظرا لتجربتي من خلال العمل في الندوة العالمية للشباب الاسلامي فأقول: لقد عززت تلك الاعمال المنكرة الصورة السلبية التي تبثها وسائل الإعلام الغربية المغرضة، تلك التي تصور السعوديين بخاصة ورموز العمل الإسلامي بعامة على أنهم ارهابيون او محرضون على الارهاب، وقد جاءت الاحداث تقول للمواطن الغربي: ان ما يشاع في وسائل الإعلام عن السلمين صحيح، وها هو ذا الدليل تلو الدليل.. شباب مسلم يعتدي على المواطنين الغربيين في بلدان المسلمين ويتعمد إيذاءهم!! وأشار الدكتور الوهيبي الى ان ترتب على تلك الشكوك ان يحرم الدعاة ورموز العمل الإسلامي تأشيرات دخول لبعض البلدان خاصة الغربية منها، او ان يتعرضوا للمساءلة والايقاف في المطارات والمهمات الدعوية والانسانية التي يؤدونها لم تعد ميسرة كما كانت، فالشك يحوطها من كل جانب، والاسئلة المرتابة تجيء واحدا تلو الآخر، وقد يوفق الداعية او المؤسسة الدعوية والخيرية الى تهدئة الطرف الآخر، وربما يخفقان في ذلك.
كما ان حديث الدعاة عن سماحة الإسلام وحفظه لحقوق الناس يصطدم بواقع لا يحترم فيه المفسدون ادنى الحريات التي كفلها الدين العظيم لتلك النفوس إما بعهد او ذمة او عقد أمان. ومن ثم كيف يسوغ لنا ان نتحدث عن التسامح ونبذ العنف في ظل وجود تلك النماذج المنحرفة؟ هكذا يتساءل غالبا من نتحدث اليهم من غير المسلمين.
أما المنظمات والهيئات الخيرية الاسلامية فقد ربطتها السلطات الامريكية ظلما وعدوانا بالارهاب، وجاءت هذه الاحداث فاستغلها الإعلام الأمريكي ليزيد التهمة تثبيتا، ويوسع مداها، وترتب على ذلك حصار العمل الخيري الإسلامي دوليا، واغلاق بعض منافذه ومكاتبه، والتضييق على التبرعات والتحويلات المالية، ومطاردة بعض العاملين فيه. وقد نال المؤسسات الخيرية في المملكة اذى كثيرا من جراء احداث سبتمبر، فجاءت احداث الرياض والرباط ومدريد لتضيف مزيدا من التهم والشكوك، ومزيدا من القيود!
وموجز القول ان تلك الأعمال الارهابية اضرت بكثير من جوانب الحياة في المملكة، وخدمت الاعداء خدمة لا احسبهم يحلمون بها. وما لحق بالبرامج الدعوية والمؤسسات الخيرية من أذى وصل الى حد انه يهدد وجودها أصلاً، وأفلح في الحد من نشاطاتها وبرامجها داخليا وخارجياً.
|