ونحن على مشارف انتهاء الإجازة الصيفية واستعداد الطلبة للعودة إلى مقاعد الدراسة لبدء عام دراسي جديد، تنشط هذه الأيام أسواق المستلزمات المدرسية والقرطاسية وتعود للانتعاش والعودة إلى نشاطها الموسمي بعد فترة ركود مرت به طوال الإجازة الصيفية. والمتتبع لهذه الأسواق يلاحظ التنافس الشديد بين المحلات والمتاجر بطرح العديد من الأصناف والأنواع للمستلزمات القرطاسية والمدرسية والحقائب المدرسية بأشكال وأنواع وألوان جذابة مغرية للعديد من الأطفال وأولياء الأمور. هذا التنافس تجاوز محلات القرطاسية إلى جميع محلات البيع بالتجزئة للمواد الاستهلاكية على مختلف أنواعها، بل وتعداها إلى محلات أبو ريالين. الكل يلهث ليجني نصيبه خلال فترة الموسم المدرسي حتى ولو كان على حساب جودة المعروض من السلع.
الحقيبة المدرسية هي محور حديثنا في هذا المقال، وقد تستغرب عزيزي القارئ من اختيار هذا الموضوع، والذي أرى شخصيا ان له أهمية كبيرة جدا كما سيتضح من خلال السطور القادمة. وما دفعني للكتابة عنه إلا إحساسي بمعاناة الأطفال الصغار عند حملهم لحقائبهم المدرسية، فأتعجب كثيراً من حجم الحقيبة المدرسية هذه الأيام وأتساءل باستغراب: كيف يستطيع ذلك الطفل الصغير في عمره وحجمه من حمل حقيبة قد تزن نصف وزنه بعد تعبئتها بالكتب والدفاتر وحقيبة الوجبة المدرسية وغيرها؟
ولإيضاح أهمية مثل هذا الموضوع في مجتمعات أخرى، فقد قرأت خبراً نشر في إحدى الصحف الخليجية قبل فترة بأن تلاميذ المدارس في إيطاليا قد تفاجأوا عند عودتهم لمدارسهم بعد انتهاء العطلة الصيفية بأن أحمالهم المدرسية قد تخففت. فخلال فترة الإجازة الصيفية ناقش البرلمان الإيطالي مشكلة وزن الحقيبة المدرسية في محاولة لإيجاد حلول لها، فالمشكلة واضحة للغاية في إيطاليا حيث يشاهد تلاميذ المدارس كل يوم وهم يمشون مجهدين بخطوات متثاقلة إلى مدارسهم جراء حملهم لحقائب ملونة ضخمة.
وقد أصدرت وزارة الصحة الإيطالية توجيهات بضرورة ألا يحمل الأطفال ما يزيد على 10 إلى 15% من أوزانهم. ولكن على حسب البحوث الحديثة فإن أطفال الحادية عشرة وما دون لا يزالون يحملون 12 كيلو غراما من الكتب إلى مدارسهم في كل يوم، أي ما يوازي 25% من وزن جسم التلميذ. وذكر أحد أعضاء البرلمان من حزب المعارضة بأن حقائب المدرسة الثقيلة يحتمل أن يكون لها صلة بالأعداد الكبيرة للأطفال الإيطاليين الذين لديهم انحناء في العمود الفقري. كما اقترح آخرون في مسعاهم لايجاد حل لمعضلة الحقيبة المدرسية ان تلتزم المدارس بتوجيهات وزارة الصحة والتي أوصت بألا يتجاوز وزن الكتب 10% من وزن التلميذ وطالبوا المدارس بتركيب خزانات بأقفال في المدارس كي يتسنى للتلاميذ وضع كتبهم فيها.
أما جماعات حماية المستهلكين فقد نصحت أولياء الامور بشراء حقائب مدرسية بأحزمة مبطنة وأربطة خصر لحفظ التوازن وحذرت من أن الحقيبة المدرسية لا يجب أن تكون أعرض أو أطول من ظهر الطفل. والأطباء ينصحون التلاميذ برص كتبهم في الحقيبة بطريقة عمودية بحيث يتم وضع الكتب الأثقل في الأسفل وحمل الوزن على كلا الكتفين بدلا من تعليق الحقيبة على كتف واحد وهي المشكلة التي تتسبب بإجهاد عضلي.
**
لا أعلم أن هناك أي توجيهات أو تعليمات من وزارة التربية والتعليم أو وزارة الصحة لدينا لتوعية أولياء الأمور في هذا الخصوص. وباعتباري ولي أمر لطالبة تدرس في المرحلة الابتدائية فلم اتلقَّ أي توجيه أو تنبيه من قبل المدرسة التي تدرس بها ابنتي بخصوص وزن الحقيبة المدرسية. ومن خلال تصفحي لصحيفة الجزيرة خلال الفترة الماضية قرأت خبرا نشر في الصحيفة بتاريخ 26 جمادى الثاني 1425هـ يتعلق بدراسة عن تأثير ثقل الحقيبة المدرسية على الصحة الجسدية والنفسية لطلاب الصفوف الأولية في المرحلة الابتدائية أعدها الأستاذ محمد الطليحي من إدارة التربية والتعليم بالأحساء. وجاء ملخص نتائج الدراسة كما يلي:
* ضرورة أن لا يزيد وزن الحقيبة المدرسية عن 12% من وزن الطالب.
* الوضع الأمثل لحمل الحقيبة هو أن تحمل على الكتفين بالتساوي لا على كتف واحد.
* استمرار سعي وزارة التربية والتعليم إلى تقسيم المنهج إلى كتابين للعام الواحد.
* الاكتفاء بدفتر واحد لجميع المواد وتقسيمه إلى أجزاء.
* عدم تكليف الطلبة بأعباء تشق عليهم من خلال طلبات المعلمين والمعلمات.
* مراعاة وزن الحقيبة مع وزن الطالب عند وضع مواصفات ومقاييس لها من قبل الشركات الصانعة.
* عمل نشرات توعوية من قبل المدارس لأولياء الأمور عند شرائهم للحقائب لأبنائهم.
**
أتمنى بأن تصل نتائج هذه الدراسة للمسؤولين في وزارة التربية والتعليم لدينا وأن يأخذوا نتائجها على محمل الجد وأن نشاهد بعد فترة حملات توعية لأولياء الأمور بضرورة الاهتمام بشراء حقائب مدرسية خفيفة الوزن، وأن يتم إلزام جميع تجار الحقائب المدرسية بمواصفات ومقاييس محددة للحقيبة المدرسية، وأخيراً وليس بآخر إصدار تعليمات للمعلمين والمعلمات بأن لا يلزموا الطلبة باحضار جميع كتبهم ودفاترهم في كل يوم وتحديد احتياجات كل يوم على حدة وأن لا يشقوا على الطلبة باحضار طلبات أخرى إضافية.
أنا شخصياً وبعد تجربة قمت بها بوزن حقيبة ابنتي التي تدرس في الصف الثالث ابتدائي تفاجأت بأن وزن حقيبتها بكل ما تحتويه من كتب وأقلام ووجبة مدرسية يمثل 24% من وزنها، لذلك قررت أن أقوم باستمرار بوزن حقيبتها للتأكد من عدم تجاوز النسبة المقترحة ولن أدعها تحمل ما يزيد عن 12% من وزنها حتى وان اختلفت معها ومع مدرستها!!!
وفي الختام أتمنى لجميع أبنائنا واخواننا من الطلبة والطالبات سنة دراسية ممتعة وعوداً حميداً من الإجازة.
كاتب ومستشار تسويق
|