* جنيف - طارق عبدالغفار - أ ش أ
رغم ارتباط أوروبا اقتصادياً بالولايات المتحدة، جاء قرار منظمة التجارة العالمية الذي يفسح المجال لأعضاء الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وخمس دول نامية لفرض عقوبات تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات على واشنطن رداً على القانون الأمريكي لمكافحة الإغراق، ليكشف النقاب عن الخلافات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة من جهة والدول الأوروبية والنامية من جهة أخرى.
ويخول القرار للقوى التجارية الثمانية الاتحاد الأوروبي واليابان والبرازيل وكندا وشيلي والهند والمكسيك وكوريا الجنوبية إمكانية فرض عقوبات مالية على الولايات المتحدة تصل إلى حوالي 72 بالمائة من إجمالي العائد الذي تجنيه واشنطن من جراء تشريع مكافحة الإغراق.
وتشكو الأطراف التجارية الثمانية من أن الولايات المتحدة أضرت بمصالحها التجارية عندما رفضت طلب منظمة التجارة العالمية بإلغاء تشريع مكافحة الإغراق المعروف باسم تعديل بيرد بحلول السابع والعشرين من ديسمبر 2003م.
ويقضي تعديل بيرد الذي تم إقراره في أكتوبر 2000م قيام الإدارة الأمريكية بتوزيع عائدات رسوم الإغراق على الشركات الأمريكية المتضررة من الإغراق أو الدعم الذي يتيح لعدد من الشركات الأجنبية طرح منتجاتها بأسعار تقل عن مثيلاتها الأمريكية بالأسواق الدولية وهو ما أثار غضب الشركات الأجنبية.
وتشير الإحصائيات إلى أن الشركات الأمريكية حصلت على 561 مليون دولار من عائدات الرسوم المفروضة على الشركات الأجنبية بمقتضى تشريع مكافحة الإغراق الأمريكي خلال الفترة من عام 2001م إلى 2002م.
وفي محاولة لاحتواء ضغوط منظمة التجارة العالمية تعهدت واشنطن بتعديل قانون مكافحة الإغراق إلا أنها أوضحت أنها لن تقف صامتة تجاه المنتجات المدعومة للشركات الأجنبية.
وأوضحت وزارة التجارة الأمريكية أن واشنطن سوف تلتزم بقرار منظمة التجارة العالمية إلا أنها في الوقت نفسه سوف تطبق قوانينها الأخرى المتعلقة بمكافحة الإغراق والدعم بصرامة تامة للحفاظ على مصالح الشركات والعمال الأمريكيين.
وفي المقابل أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن قرار منظمة التجارة العالمية بشأن انتهاك تشريع مكافحة الإغراق الأمريكي لقوانين التجارة الحرة عكس القلق الذي اجتاح غالبية القوى التجارية في العالم من جراء ذلك التشريع الذي يهدد المنافسة الحرة.
وأوضح المفوض التجاري الأوروبي باسكال لامي أن إجراءات الدفاع عن المصالح التجارية تعتبر مشروعة حال اتساقها مع قوانين منظمة التجارة العالمية.
وأضاف أن قرار منظمة التجارة العالمية وضع مصداقية الولايات المتحدة على المحك مشدداً على أن إدارة الرئيس بوش ينبغي عليها أن تبادر بالتنسيق مع الكونجرس لإسقاط ذلك القانون.
وترى اليابان أن إسقاط تعديل بيرد ينبغي أن يتصدر قائمة أولويات شركاء الولايات المتحدة التجاريين في ضوء قرار منظمة التجارة العالمية.
ويرى محللون اقتصاديون أوروبيون أن قرار منظمة التجارة العالمية الذي يطالب الولايات المتحدة بإسقاط قانون مكافحة الإغراق والدعم يمثل هزيمة تجارية جديدة للولايات المتحدة بعد الحكم الذي أصدرته منظمة التجارة بعدم اتساق تعريفة الصلب الأمريكية مع إجراءات التجارة الحرة.
وبات جلياً اعتماد الولايات المتحدة على إجراءات فرض الرسوم العالية على الدول الأخرى لحماية منتجاتها المحلية في مجالات عديدة رغم ادعاء واشنطن حرصها على دعم التوجه العالمي باتجاه تحرير السوق وتشجيع الدول النامية على الاتجاه إلى سياسات السوق الحرة.
وجاء قرار منظمة التجارة العالمية منذ عدة أشهر قليلة بشأن ضرورة إجبار الولايات المتحدة على تخفيض الدعم المقدم لمزارعي القطن الأمريكيين ليلقي الضوء من جديد على انتهاكات واشنطن والدول الكبرى لمصالح الدول الفقيرة في اتفاقيات تحرير التجارة.
ويؤيد قرار منظمة التجارة العالمية شكوى البرازيل بشأن انتهاك الولايات المتحدة لقواعد التجارة الحرة عن طريق تقديم إعانات مالية لمزارعي القطن الأمريكيين. وتواجه الولايات المتحدة إمكانية فرض عقوبات شديدة من جانب منظمة التجارة العالمية حال إصرارها على تقديم الدعم لمزارعي القطن الأمريكيين بنفس المعدلات الحالية التي تعوق المنافسة الحرة بين الدول الأعضاء بالمنظمة وتلقي ظلالاً من الشك حول التزام واشنطن بتعهداتها المتعلقة بتحرير التجارة العالمية. ويرى محللون أمريكيون أن واشنطن سوف تضطر إلى تخفيض الدعم لمزارعي القطن كما حدث عندما خفضت التعريفة الجمركية على وارداتها من الصلب لتجنب عقوبات محتملة من جانب الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية.
إلا أن المحللة الاقتصادية اليزابيث بيكر ترى أن قرار منظمة التجارة العالمية بشأن الدعم المخصص لمزارعي القطن سوف يسبب حرجاً للرئيس جورج بوش الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل.
وأوضحت أن الرئيس بوش لا يود خسارة أصوات الناخبين بالولايات التي يعتمد اقتصادها على زراعة القطن.
ويرى المحلل جيمس كوكس أن إلغاء الدعم المخصص لمزارعي القطن سيهدد بحرمان مزارعي القطن الأمريكيين من المعونات التي يحصلون عليها من الإدارة الأمريكية والتي يقدر حجمها بنحو 19 مليار دولار.
وأشار كوكس إلى أن الدعوى التي رفعتها البرازيل لإسقاط الدعم الأمريكي لمزارعي القطن ستنهي الاتفاق الودي بين الدول الأعضاء (146 دولة) بالاحجام عن اللجوء لمنظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات التجارية.
وأضاف كوكس أن قرار منظمة التجارة العالمية المناهض للدعم المخصص لمزارعي القطن الأمريكيين سيدفع الدول الغنية لاتخاذ مواقف مرنة تجاه مطالب الدول الفقيرة خشية لجوء الأخيرة إلى المنظمة لفضح انتهاكات الدول الكبرى لاتفاقيات التجارة الحرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للقطن والثانية في قائمة الدول المنتجة لذلك المحصول.
وفي السياق نفسه أثارت التعريفة الجمركية الجديدة التي تعتزم الولايات المتحدة فرضها على صادرات الصين من الأثاث وتصل إلى 194 على بعض أنواع الأثاث المخاوف من اندلاع صدام تجاري بين واشنطن وبكين.
ويرى محللون اقتصاديون أمريكيون أن هذه التعريفة الجمركية الجديدة ستنعكس سلباً على صادرات الأثاث الصينية للولايات المتحدة التي يبلغ حجمها مليار دولار سنوياً.
وترى شركات الأثاث الأمريكية أن إدارة الرئيس بوش استجابت أخيراً لمطالبهم بفرض تعريفة جمركية أعلى على صادرات الأثاث الصينية لمكافحة إغراق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية الرخيصة والتي أضرت بصناعة الأثاث الأمريكية ولا سيما غرف النوم.
وأوضحت تلك الشركات أن 350 ألف عامل أمريكي بمصانع إنتاج الأثاث (أي نحو 28 من إجمالي القوى العاملة في تلك الصناعة بالولايات المتحدة) فقدوا وظائفهم منذ تولي الرئيس جورج بوش المسؤولية عام 2000م بسبب إغراق منتجات الأثاث الصيني للأسواق الأمريكية.
وأوضح المحلل مارك درايم أن أسعار الأثاث المحلي والمستورد ستشهد زيادة ملحوظة بالسوق الأمريكية في حالة تطبيق التعريفة الجمركية الجديدة على الصادرات الصينية.
وفي المقابل يشدد مايك فيتنهايمر المحلل الاقتصادي أن التعريفة الجديدة سوف تؤثر سلباً على مبيعات الأثاث بالسوق الأمريكية في ضوء ارتفاع الأسعار المتوقع بعد تطبيق تلك الرسوم.
وتقف دول الاتحاد الأوروبي في خندق واحد مع الولايات المتحدة لمواجهة الاجتياح التجاري الصيني لأسواقها حيث بات من المؤكد تزايد السطوة التجارية الصينية بالأسواق الأمريكية والأوروبية مع اقتراب موعد انتهاء نظام الحصص التصديرية التي فرضتها الحكومات الأمريكية والأوروبية على الصادرات الصينية في مجال النسيج طيلة الأعوام الأربعين الماضية لحماية صناعتها الوطنية في مواجهة الصادرات الصينية الرخيصة الثمن. وتتوقع شركات النسيج الصينية تضاعف أرباحها بالسوقين الأمريكي والأوروبي فور انتهاء فترة سريان الحصص التصديرية في الأول من يناير القادم. ويرى محللون اقتصاديون أن المميزات التنافسية لصناعات النسيج الصينية كتوافر الأيدي العاملة الرخيصة والمواد الخام والبنية التحتية القوية سوف توفر لها زخما قويا بالأسواق الأمريكية والأوروبية فور انتهاء نظام الحصص التصديرية التي أعاقت تدفق صادرات النسيج الصينية إلى تلك الأسواق. ويحذر المجلس القومي الأمريكي لشركات النسيج الذي يتخذ من واشنطن مقرا له من أن إلغاء نظام الحصص التصديرية المفروض على صادرات النسيج الصينية للأسواق الأمريكية والأوروبية سوف يتسبب في خسارة فادحة لبعض الدول كتركيا والمكسيك وسريلانكا تصل إلى 200 مليار دولار بينما سيفقد حوالي 30 مليون عامل بألمانيا وكندا وتايوان وظائفهم نتيجة الفشل في مواجهة منافسة التنين الصيني في مجال الصادرات النسيجية.
|