* ما كاد زميلنا المبدع في (شواطئ الجزيرة) ؛ الأستاذ (عبدالله الكثيري) ؛ يعرف بخطوط سير بعض زملائه من الكتاب في إجازاتهم السنوية؛ حتى كتب يستحثهم، أو يحرضهم، أو يستفزهم للكتابة في (شواطئه الجميلة) ؛ عن رحلاتهم ومشاهداتهم؛ وقد فوجئت أني ممن وقع في شباك (الكثيري) يوم الجمعة قبل الماضية؛ لكني سوف أكتفي بهذه الإطلالة من هنا؛ هذا إن سمح لي الزميل (الكثيري) ، ثم ادع تفاصيل الكلام والصور؛ إلى وقت آخر.
* سوف أتكلم بالمختصر المفيد؛ عن مدينة عربية عصرية دولية اسمها (شرم الشيخ) ، هي بلا مراء؛ نتاج مخاض معركتين مصريتين جسورتين؛ خاضهما الرئيس (محمد أنور السادات) رحمه الله، وخاضهما معه الشعب المصري الأبي؛ هما معركة العبور عام 1973م؛ ومعركة السلام بعدها، فالسادات كان شجاعا عندما استرد القناة بالقوة، وشجاعا أكثر؛ عندما فرض معركة السلام على إسرائيل، فأعاد بموجبها للتراب المصري؛ كامل سيناء؛ واسترجع مدنها الجميلة، ومنها شرم الشيخ هذه. وتجلت قمة الذكاء المصري بعد ذلك؛ في سياسة خلفه (الرئيس محمد حسني مبارك) ؛ الذي أظهر ونمّى (شرم الشيخ وطابا والغردقة) وغيرها، لتصبح حصونا سلمية بشرية (دولية) ؛ في وجه المدفع الإسرائيلي.
* في (شرم الشيخ) ؛ شرم لا شيخ فيه..! نعم. فالعرب في لغتهم يقولون: بأن (الشيخ) ؛ هو من استبانت فيه السن، أو من هو في الخمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره. أو إلى الثمانين. ولكن لا أثر لشيخوخة في (شرم الشيخ) ؛ إن هذا الشريط الساحلي الجميل حقا، يشعرك بالحيوية والمرح والنشاط، ويثير فيك الرغبة في القفز إلى أعلى؛ لتعلن للملأ من حولك؛ أنك ربما كنت شيخا قبل معرفتك بشرم الشيخ، ثم ها أنت تعود إلى صباك، وها أنت ربما تقاوم بعضا من عنفوان شبابك..!
* حسناً.. وصلت مدينة (شرم الشيخ) عصرا فشعرت أني في بقعة من الأرض؛ لا يعيش فيها الشيخ..! أو قل يتحولون فيها إلى شبان يافعين لا يهدأ لهم بال، فها هم يمشون ويشربون ويأكلون ويرقصون ولا يكتفون باليابسة؛ بل هم قد ملأوا البحر والبر بضحكاتهم وصخبهم طوال الليل والنهار، وذلك رغم ما كان يسبغه الصديق والرفيق الأستاذ (فهد السليماني) ؛ مدير عام (جمعية الإيمان لرعاية مرضى السرطان الخيرية) بجدة؛ على هذا المشهد الحيوي؛ من تعليلات وتحليلات لم أقبل منها واحدا..!
* أصدقكم القول؛ أن هذا هو ما أحسست به وأنا ألج خليج نعمة؛ الذي هو بحق نعمة على أهل هذه المدينة كلهم. فقبل يوم واحد فقط، كنت في جدة، وبكرت قبل الشروق كما هي عادتي عندما أكون هنا؛ إلى (شرم أبحر) ، كنت خبيرا بما فوق الماء وما تحت الماء في هذا الشرم البائس، ولهذا خضت العباب بما يلزم من حذاء واقٍ، وكمامات وغطاءات وغيرها، ورأيت أناسا ربما يأتون هنا لأول مرة؛ فيقعون في مأزق (شط شرم أبحر) ..! فالماء ملوث بما يكفي، وقليل من التحديق في صفوه تحت الشمس؛ يكفي لمشاهدة أكوام من الحجارة وقطع الزجاج وأكياس النايلون وبقايا الأطعمة، وربما حيوانات ميتة..! كل هذا والناس؛ لا تجد مكانا آخر أنظف منه.. يا للعجب..! لممارسة هواية السباحة في بحورنا وشواطئنا، وهذا الشاطئ التعيس في (جدة غير) ، ليس بينه وبين (بلدية أبحر) سوى أمتار، لكن مسألة تنظيف الشاطئ عندنا؛ وتهيئته للسياحة والتشميس والنزهة؛ وصحة رواد الشاطئ وسلامتهم، مسألة فيها نظر، ربما لا تعني شيئا عند المسؤولين عن عموم شواطئنا؛ وليس شط أبحر وحده.
* في (شرم أبحر) ؛ شاهدت شبابا يخوضون عباب الماء وكأنهم شيوخ، فأنت ترى واحدهم وهو يتكأكأ ويتوكأ؛ أو يعرج أو يتوجع؛ من قرص أو وقص أو شلخ تعرض له قدمه تحت الماء. لكن الأمر يختلف في (شرم الشيخ) ، هناك شريط ساحلي ذهبي حقيقي، تم تنظيفه وتهيئته وتشجيره وتجميله وخدمته؛ لكل من أراد السباحة والغطس والصيد واللعب تحت الماء وفوق الماء.
* تمثل مدينة (شرم الشيخ) ؛ قمة النجاح المصري في الاستثمار السياحي؛ ففيها رؤوس أموال خليجية وعربية ودولية هائلة؛ وفرت قرابة (120 ألف) فرصة عمل للمصرين والمصريات، والإرادة المصرية وحدها؛ جعلت من شرم الشيخ؛ مدينة سياحية دولية، تتوفر على مطار دولي، ومنظومة فنادق عالمية راقية، وهي تتحدث بكل لغات الدنيا، وترفع شعار الأمن والسلام واحترام النظام، وأنت كعربي سائح؛ تعود على كثير من المنغصات في مدن وعواصم عربية كبيرة؛ حتى في القاهرة العاصمة المصرية نفسها؛ تشعر في شرم الشيخ، بآدميتك، وتحس بقيمتك كإنسان له حقوق وعليه مثلها، فالمدينة العالمية الجميلة هذه؛ لا يدخلها كل من هب ودب، واللصوص والشحاذون والدراويش؛ لا مكان لهم هنا في شرم الشيخ.
* يفتخر أهالي شرم الشيخ؛ بأن مدينتهم حصلت على جائزة مدن السلام لعام (2000- 2001م) من اليونسكو، وأنها رابع مدينة سياحية في العالم أجمع، فهي تستقبل ملايين السياح على مدار العام. يقول السيد (أسامة نعمان) ، وهو من كبار الوجهاء والأعيان والمستثمرين هنا؛ بأن شرم الشيخ في سياحة على مدار العام، وروادها معظمهم من روسيا؛ وخاصة في نهاية العام، ثم من إيطاليا وفرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية.
* استفادت شرم الشيخ من البحر؛ فهي تمتد على شريط ساحلي من خليج العقبة، وشكلت هويتها من السياحة البحرية والبرية، فسخرت التراث الشعبي والفني بصفة خاصة؛ لعرض الثقافة العربية مقابل ثقافات غربية وشرقية متنوعة، وأصبحت تضم مدنا ترفيهية، ومطاعم عالمية، وبرامج تنزيهية ورياضية؛ نهارية وليلية؛ في البر والبحر، ووفرت كوادر وطواقم إدارية وخدمية مصرية؛ مدربة تدريبات عالية.
* من (شرم الشيخ) ؛ تنظر شمالا؛ فتشاهد القمم الجبلية العالية؛ التي تفصل بين مصر وفلسطين، ومنها جبل الطور العظيم (طور سيناء) ؛ فمن هنا؛ كلم الله جلا جلاله سيدنا موسى عليه السلام، الذي ضرب بعصاه الحجر في سيناء، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، وفيها دك الله الجبل فخر موسى عليه السلام صعقا، وخصها الله بالشجرة المباركة الوارد ذكرها في القرآن الكريم.
* وعلى مر التاريخ؛ كانت سيناء بمدنها حول خليج العقبة؛ معبرا بين أكبر قارتين آسيا وإفريقيا، فمن هنا مر القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ بجيشه الذي فتح به مصر، فكان أول مسجد في مصر في شرم الشيخ، ومن معالمها التاريخية؛ التي تشكل بنية أساسية للمشروع السياحي؛ جزيرة فرعون، و (دير سانت كاترين) ، وبئر موسى في الوادي المقدس، ونبات (المنقروف) ؛ الذي يحلى به ماء البحر، وهو لا يوجد في كل العالم؛ إلا في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية؛ ثم في (شرم الشيخ) .
* تتجول في وسط (شرم الشيخ) ؛ فترى المحميات الطبيعية الجذابة، والحدائق المرجانية في رأس محمد، وتشاهد الأسماك الملونة، والشعب المرجانية في مدخل خليج نعمة، ثم تذهب بنظرك بعيدا إلى حيث الضفة الشرقية المقابلة، فبإمكانك رؤية البر السعودي، وفيه مدن منها (الوجه وضباء وحقل) وغيرها، ثم تتساءل: لماذا لا تكون واحدة من هذه المدن البحرية الجميلة؛ شرم شيخ سعودية بمواصفات عالمية، تضع أقدامنا على أولى سلالم السياحة الدولية؛ التي هي بدون أدنى شك؛ صناعة المستقبل؛ والرافد البديل للموارد النفطية الناضبة ذات يوم..؟
027361552 :fax
|