Saturday 4th September,200411664العددالسبت 19 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاخيــرة"

العربي وجمال المرأة العربي وجمال المرأة
محمد بن عبدالرحمن البشر

تحدث الأقدمون عن إبداعات الشعوب فقالوا عن الحكمة اليونانية، والأيدي الصينية، واللسان العربي، والطرب الزنجي، غير أنهم قد جانبوا الصواب في أكثر ما ذهبوا إليه، وسأقف هنيهة عند اللسان العربي، الذي يسحر الألباب، ويدغدغ الأحاسيس، ويجسد الجمال، ويلهب المشاعر.اللسان العربي كان معول هدم وبناء، ومدح وهجاء، وسعادة وشقاء، اغتنى منه المداحون وانتقم به الهجاؤون، وسعد به العاشقون، وشقي به المحرومون.والعرب عشاق للطبيعة فأحبوا نسيم الصبا، وخضرة الأرض، وحمرة الورد، وعبق الخزامى، ونفحات الأقحوان، وطربوا لتغريد البلابل، وزقزقة العصافير، وخرير الماء، وأنسوا بعواء الذئب، وصوت الرعد، ولمع البرق، وجعلوا كل ذلك وصفاً وموصوفاً في أشعارهم واستعارتهم وكنايتهم وتوريتهم، أبدعوا أيما إبداع.والعرب لم يقفوا عند الطبيعة فحسب، بل كان لسانهم عذباً سلساً في وصف خلجات المرأة، ومشاعرها، وما توارى بين أنفاسها، وما تجسده عبرآهاتها، ولم يكتفوا بما تراءى لهم من عبقٍ يتوارى بين الأنفاس ليفضحه شعرهم ونثرهم، بل جسدوها، وتغنوا بذلك الإبداع فيما حباها الله من جمال أخاذ. ولستُ بقادرٍ على الإتيان على جلّه في هذه العجالة وسأذكر قطرة من وابل ونفثة من سحر بابل.ولعل الكفل قد أخذ نصيب الأسد، في شعرهم فهذا : دوقلة يقول:


والتف فخذاها وفوقهما
كفلّ يجاذب خصرها نهد
فقيامها مثنى إذا نهضت
من ثقله وقعودها فرد

وها هو الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله يصف الحور العين في جنة الخلد فيقول:


والصدر متسع على بطن لها
والخصر منها مغرم بثمان
وعليه أحسن سرّه هي زينة
للبطن قد غارت من الأعكان
حقّ من العاج استدار وحشوه
حبّات مسك جلّ ذو الاتقان

لكن العربي لم يقف عند وصف الأرداف رغم شغفه بها، بل إنه تغنى بالعيون، والخدود، والشفاه، والأسنان، والأعناق، والنهود، والصدور، والبطون، والسيقان، والأطراف وغيرها، لكنّ العين سحرت بفتورها واستمالت بخمولها، وأضحت لغة الحديث بين الألباب، وجسر المحبة والوداد، ووصفوها واسعة كحلاء حوراء وطفاء ودعجاء، فأترة، ناعسة.
يقول الشاعر:


بيضاء في دعج كحلاء في برج
كأنها فضة قد مسها ذهب

وقال آخر:


حوراء لو نظرت يوما إلى حجر
لأثرت سقما في ذلك الحجر
يزداد توريد خديها إذا لحظت
كما يزيد نبات الأرض بالمطر
فالورد وجنتها، والماء رقتها
وضوء بهجتها أضوا من القمر

أما أشهر بيت قالته العرب فهو قول جرير متغزلاً:


إنَّ العيون التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا

لكنَّ ابن زيدون الشاعر الأندلسي يربط بين سقمه ومقلة محبه فيقول:


أيها المختال في زينة
أنت أولى الناس بالخال فخل
لك إن أدللت عذر واضح
كلُّ من ساعفه الحسن أدل
سبب السقم الذي برَّح بي
صحة كالسقم في تلك المقل

وهم في الغالب مولعون في بياض بشرة المرأة، ونضارتها، وضيق خصرها، واتساع صدرها، وسواد شعرها. قال امرؤ القيس:


مهفهفة بيضاء غير قعاضة
ترائبها مصقولة بالسجنجل
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة من وحش وجرة مطفل
تضيء الظلام بالعشاء كأنها
منارة محيي راهب متبتل

وقال آخر:


بيضاء تسحب من مقام شعرها
وتغيب فيه وهو وحف أسحم
فكأنها فيه نهار مشرق
وكأنه ليل عليها مظلم

والعرب لم يتخذوا النثر كثيراً لوصف المرأة، ولهذا فإنه لم يردنا عن ذلك غير النذر اليسير وهم في شعرهم ونثرهم، يجسدون المرأة إعجاباً بجمالها الأخاذ، واستمتاعاً بذلك الوصف البديع، لأنهم يرونها جزءاً من ذلك الجمال الذي صنعه الله على هذه البسيطة غير أنهم في الأغلب يحملون في قلوبهم نبل المقصد وعفة المسلك نائين بأنفسهم عما يتجاوز آدابهم وقيمهم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved