الكتاب: Marlon Brando
المؤلف: PARTIC BOSRO
الناشر:FRANCE-FIDES-2004
*****
كتب عنه المخرج الكبير (مارك كامبل):(مارلون براندو ليس ممثلا عاديا، إنه نبض الأداء الممزوج بين الموهبة الطبيعية والإبداع، هذه ببساطة أسباب نجومية مطلقة) كان هذا الكلام قبل أربعين عاما، حين نال (مارلون براندو) جائزة الأوسكار عن أدائه المدهش في فيلم (العاصفة) الذي كان إنتاجا أمريكيا بريطانيا مشتركا. لكن النجم الكبير، سرعان ما وجد نفسه في قمة نجوميته مطوقاً بالأسئلة، ولأنه كان مميزا فقد كان يطرح تلك الأسئلة بصوت مسموع، كان يريد العثور على إجابات لها، على الرغم من أن تلك الإجابات وضعته في الظلام قرابة عشرة أعوام بتهمة مناصرة الشعوب الضعيفة التي يعتبرها الكبار (شعوبا منبوذة) وفق سياسة (السمكة الكبيرة) التي كان يرفضها مارلون براندو بشدة، مارلون براندو الممثل لم يكن يختلف عن الإنسان فيه، كان نابضا دائما بالحياة وكارها للإهانة، لإهانة الإنسان ولاضطهاد الشعوب مهما كانت مسميات اضطهادها، ولهذا وجد نفسه في قمة نجوميته يقف إلى جانب قضية الهنود الحمر داخل الولايات المتحدة الأمريكية. هذا موقف جعل الصحف الأمريكية تصفه بالمجنون، ليس لأن قضية الهنود الحمر قضية خاسرة، بل لأنها قضية حسّاسة تتدخل في تحجيمها أجهزة الفدرالية الأمريكية ومؤسسات كبيرة بمن فيها المؤسسة العسكرية، ناهيك عن الدور اليهودي المعروف في استثمار هذا (الخطأ) لأجل معاقبة مارلون براندو على كل التصريحات والمواقف التي أبداها منذ ميلاد نجمه كأكبر ممثل عرفته السينما الأمريكية في القرن العشرين.
كتاب (مارلون براندو) الصادر عن منشورات (فيدس) الفرنسية جاء ليحكي الجوانب المتعددة من حياة رجل لم يكن عادياً، ربما لأنه كان كثير الأسئلة، وأكثر من ذلك لأنه كان يعبر عن آرائه بصوت عال، ولا يخشى من أحد.ولد مارلون براندو بتاريخ 3 أبريل عام 1924 في مدينة نبراسكا التابعة لمقاطعة أوماها التي يعتبرها الهنود الحمر عاصمة تاريخهم الأول، ولعلها تلك البداية التي عاشها براندو في أجواء مدينة تغص بالهنود الحمر الذين ظلوا يطالبون بحقوقهم المدنية البسيطة، كان متأثرا كثيرا بتلك القضية إلى درجة أنه رفعها وهو يدخل إلى هوليوود من أوسع باب بعد نجاحه الكبير في أول فيلم جعل منه ممثلا رقم واحد في أمريكا، إلا أن إحساسه أنه يحمل هدفا إنسانيا جعله يصر على أن الحديث عن القضايا الإنسانية المهمة لا ينقص من قيمة أي ممثل بل يزيد فيها. قال لصديقه (جيفري مونت) في ربيع سنة 1968م: يا صديقي، ما قيمة الإنسان إن لم يكن يعبر عن مبادئه، أنا أكره الصمت وأحب إن تكلمت أن أتكلم عن أشياء مهمة وغير تافهة.كانت تلك السنة التي عبّر فيها من خلال برنامج تلفزيوني مباشر عن إحساسه بالخيبة والغضب إزاء ما يعانيه الهنود الحمر داخل الولايات الأمريكية، قال في ذلك البرنامج جملته الكبيرة: (أمريكا بناها الهنود الحمر بعرقهم ودمهم ودموعهم) ربما هي الجملة التي أغضبت الكثير من السياسيين وقتها والذين كانوا (يرفضون) فتح جبهة الهنود الحمر في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تدخل إلى العالم عبر حروب اختيارية وليست إجبارية! في السبعينيات تحول اهتمام الممثل الأمريكي إلى القضية الفلسطينية التي اعتبرها قضية حقوق شرعية.
قال ان ما يعانيه الفلسطينيون اليوم هو أبشع اضطهاد غير إنساني يشعر قبالته بالخجل، ربما استمر إحساسه بالخجل لسنوات طويلة لأن الشعب الفلسطيني تحوّل إلى شعب مقهور رسميا أمام أعين العالم المتحضّر والمدافع عن الحريات وعن الحقوق، يقول الكتاب:
كان موقف الممثل مارلون براندو من القضية الفلسطينية موقفا مبهرا، ربما لأنه كان ممثلا كبيرا في سينما أمريكية استعملت كل وسائلها لإضفاء طابع (الشرعية) على اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم كله. فكان يرفض تلك الحرب القذرة على الفلسطينيين ويرفض أن يكون عبداً لليهود، قالها في برنامج تلفزيوني أثارت تعليقاته حرباً إعلامية مسعورة ضده، لأنه قال بصريح العبارة: اليهود هم أسباب مشاكل الكون في الوقت الراهن، هم الذين يذبحون الفلسطينيين باسم التمدن، وهم الذين يرتكبون الفظائع في إفريقيا الوسطى متخفين وراء الفصائل الإفريقية المعارضة، وهم الذين يديرون عربة أمريكا كي يصنعوا منا يهوداً جدداً!
تلك الجملة التي اعتبرها اليهود بمثابة الحرب على براندو، فحاصروه وطوّقوه وجعلوه يدخل فجأة في ما يشبه العزلة عن العالم والناس.
في سنة 1982 طلب (مارتن ميلر) من الحزب الجمهوري الأمريكي من براندو أن يعتذر علانية لليهود، ولكن براندو في مقابلة إذاعية أخيرة له قال الكلام نفسه وقال ان اللوبي اليهودي هو الذي يسير السينما الأمريكية ويريد أن يقودها إلى الانحراف والمخدرات والجنس والقتل العمدي والخراب. الحرب التي فرضها اليهود عليه انعكست على حياته الشخصية، كما يقول الكتاب.
مارلون براندو الذي كان أكبر ممثل في السينما الأمريكية، فشل في بناء حياة أسرية على الرغم من أنه تزوج أكثر من ثلاث مرات، تزوج أيضا من امرأة من الهنود الحمر وأنجب منها ابنته (شايان) التي توفيت منتحرة في قضية غريبة، كما سجن ابنه (كريستان) بتهمة قتل خطيب شايان الذي كان يسيء معاملتها عام 1990م. كانت حياته العائلية مضطربة، أثرت عليه نفسياً إلى درجة أنه كتب لصديقه (جيفري مونت) يقول له:(لا تتصور يا صديقي كم أشعر بالحزن، فأنا أنجبت أبناء لم أنجح في تربيتهم كما أريد، أبنائي يمشون عكس رغبتي وطموحي).
واستمرت شهرته على الرغم من كل المتاعب الكثيرة، التي جعلت منه في نظر الكثيرين أغنى ممثل في هوليود، ولكن التقارير التي خرجت إلى الناس بعد رحيله تقول ان الممثل الكبير مات مفلساً وغارقاً في الديون وأنه كان يعيش على مساعدات أصدقائه المقرّبين!!
فيلم (العراب) الذي يعد علامة حقيقية في السينما الأمريكية ما زال يحكي عن تفاصيل الممثل الراحل مارلون براندو الذي عاش عكس أفكار جيله، لم تغره الأضواء، ولم تنقص من قيمته الشهرة التي استثمرها لأجل رفع صوته عاليا. قال في أيامه الأخيرة في حوار مميز نشرته بعد وفاته جريدة (لوس أنجلس تايمز) :(عشت حياتي بالطول والعرض ولست نادماً على مواقفي، ولو عدت إلى الوراء لدافعت عن نفس القضايا التي تؤرقني، مازلت أعتبر الشعب الفلسطيني شعباً عظيماً مثل شعب أمريكا الأصلي (الهنود الحمر) الذين يعيشون قضيتهم بإصرار ويرفضون التنازل عن أرضهم وعن دمهم.
هذا هو موقفي الذي عشت لأجله ودفعت ثمنه غالياً ولكني لست نادماً أني عشته ودفعت ثمنه، لأن الفرق بين إنسان وإنسان يكمن في القضية التي يدافع عنها وليس في الشهرة أو في الأضواء أو المال)...كما يقول الكتاب.
|