الكتاب:IRAK,UN REGARD SUR UN MONDE EN GUERRE
المؤلفان PIERRE RIGOULET ET; MICHEL TAUBMMAN
الناشر: ROCHER 2004
*****
أين الحقيقة التي ربما يقفز فوقها الكثيرون اليوم عند الحديث عن العراق؟! دعونا نقول انه على عكس ما هو معلن رسميا، فإن سلطة التحالف المؤقتة بالعراق ليست جهازا تابعا للتحالف بأي حال من الأحوال، بقدر ما هي (وكالة) تابعة للولايات المتحدة، ولعل الاختلافات الخطيرة التي ظهرت الى السطح أثناء مناقشة ما يسمى أمريكيا بعروض إعادة إعمار العراق والتي تقدمت بها شركات أمريكية تابعة وبشكل مباشر الى شخصيات معروفة وفعالة داخل البيت الأبيض وداخل البنتاجون والكونجرس الأمريكي، ولعل شركة ديك تشيني (هاليبيرتون) التي حظيت بالنصيب الأكبر تؤكد ما قصدناه بعبارة (وكالة أمريكية).
تلك العروض، إذا كشفت وبشكل جلي المأزق القانوني الذي توجد فيه هذه الهيئة الإدارية، والتي لا تعدو أن تكون مؤسسة خاصة لاغير، ولا تمت بصلة إلى الشرعية القانونية، بيد أنها حالة خطيرة كشفت الغطاء عن فكرة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي - بالإضافة الى الاحتلال التدميري المقصود - عمد من خلالها الى خصخصة العراق ومؤسساته الدستورية والرسمية، والحال أنه لم يكن استهداف العراق أمرا عاديا ولا عفويا، بل كان نتيجة تخطيط استمر لأكثر من عشرين سنة.
ربما لأن العراق هي أكبر ثاني احتياطي النفط في العالم، وهي الدولة التي تعد وجها استراتيجيا في منطقة أرادت الإدارة الأمريكية أن تضربها في الصميم، لأجل تخفيف الضغط الاقتصادي على إسرائيل من جهة ولأجل الإسهام في زعزعة المنطقة عبر منح المزيد من المساندة المالية والعسكرية والإعلامية للدولة العبرية لأجل (محاربة الإرهاب) كما يقول البيت الأبيض.
وهي الجملة التي تعني ببساطة (حق اليهود في استعمال القوة المطلقة ضد الفلسطينيين) وهو ما حدث بالفعل في السنتين الأخيرتين بالذات حين تحول الاحتلال الى أداة للقتل ضد الفلسطينيين.
بيد أن الشيء الذي تغير فعليا هو النظرة الدولية للصراع القائم في الشرق الأوسط، لأن الدولة العظمى تجاوزت القانون نفسه لأجل احتلال العراق، وتجاوزت رفض الملايين من سكان الكرة الأرضية الذين وقفوا ضد الحرب على العراق مع أنهم كانوا ضد النظام العراقي البائد والتعسفي.
كانت المعادلة الأمريكية واضحة، ضرب استقرار المنطقة لأجل استغلال الضعف الحاصل على كل الأصعدة دوليا مع الاستفادة من الغموض القانوني الدولي الذي ظل متفرجا أمام كل ما جرى سواء في الشرق الأوسط أو في الأراضي الفلسطينية أو في أماكن أخرى من العالم.
حول هذه الفكرة يدور كتاب: (العراق الجديد) الصادر حديثا عن منشورات روشيه الفرنسية.
ولعل الكتاب الذي جاء في هذا الوقت الحرج يحاول الرد على العديد من الأسئلة التي قيل إنها أرقت العديد من الملاحظين، من أهم تلك الأسئلة: لماذا العراق بالذات؟ ربما من الناحية الجغرافية تشكل العراق موقعا استراتيجيا في غاية الأهمية، كونها تقع على أبعاد استراتيجية من جهة ولأنها شرفة يمكنها أن تمنح (منظرا مهما) على الجبهة الخلفية التي تريد الولايات المتحدة القضاء عليها، ولأن العراق هو معبر مهم للمياه التي تدق إسرائيل الناقوس منذرة بجفاف خطير قد تتعرض إليه الدولة العبرية لو لم تتدخل أمريكا عسكريا لأجل تخطيط جديد لمسار المياه في الشرق الأوسط.
ذلك المسار الذي يسميه جورج بوش بالشرق الأوسط الجديد، وفق عبارة (الديمقراطية) التي تعني في الأخير الحرب المطلقة والمدمرة على الدول التي تتهمها أمريكا بالشمولية وتسميها بالدول المارقة.
السبب الثاني، يقول الكتاب، هو أن العراق ظل يشكل تهديدا عسكريا مباشرا، ليس للأمريكيين فقط، بل للإسرائيليين الذين كانوا (يشتكون لحلفائهم التقليديين) من خطر العراق على أمن وسلامة إسرائيل.
ربما كان التقرير الذي نشرت بعض مقاطعه جريدة (يديعوت احرونوت) الإسرائيلية يوضح اللعبة المشتركة التي المخابرات الإسرائيلية والبريطانية لنقل المخاوف الى الأمريكيين.
ففي 24 سبتمبر من سنة 2000، نقلت هيئة الاستخبارات الإسرائيلية الى الأمريكيين ملفاً عن (تحركات عراقية مشبوهة) في عدد من الدول الإفريقية، وكان التقرير قد ربط في فصوله الأولى العلاقة المحتملة بين النظام العراقي وتفجيرات نيروبي.
كانت فكرة البحث عن الغول الجديد بمثابة اللعبة الخطيرة التي كانت إسرائيل تريد لعبها، ليس بمفردها لأنها لا تستطيع الدخول في حرب معلنة مع دولة مثل العراق، ولكنها بالمقابل تستطيع أن تدخل في أي حرب متخفية وراء أكثر من وجه ومن ملامح.
الإسرائيليون الذين استطاعوا أن يرتبوا أكثر من 120 تقرير صاغته أجهزة المخابرات وأركان الجيش الإسرائيلي عن العراق، وعن الشبكة العراقية التي قيل إنها عبارة عن شبكة تجسسية عراقية منتشرة في أوربا الشرقية وفي أفريقيا الوسطى، ظل البحث عن أعضائها حتى بعد سقوط العراق.
بعض التقارير أعلنت أنه تم الكشف عن أسماء المنتمين الى الشبكة بعد أن تعهدت أمريكا بأنها سوف تمنحهم (الأمان) لأنها تريد أن تشغلهم لصالحها.. ومهما كان من أمر فإن الفكر المخابراتي الغربي، البريطاني بالتحديد بموازاة مع الجهد الإسرائيلي لأجل تدمير العراق نجحا في جعل الخطر العراقي كبيرا، ربما لأن الإعلام الأمريكي قاد حملته الكبيرة ضد العراق وضد دول عربية أخرى تدرجها الولايات المتحدة في قائمة الدول الشمولية، مثل إيران وليبيا وسورية، وإن كانت ليبيا أرادت أن (تمسح الحذاء الأمريكي مؤخرا) إلا أن الحملة الإعلامية الحالية التي تشنها بعض الصحف الموالية لإسرائيل تعني ببساطة أن الحرب القادمة ستكون لأجل تحقيق نفس الهدف الاستراتيجي المتمثل في إقامة (شريط قومي) جديد لا يمكنه من الآن فصاعدا أن يخاطب إسرائيل (كعدو) بل كدولة قوية.
وهذا الذي يعني أن الموارد الطبيعية التي ستعبر نحو إسرائيل عبر التراب التركي ستكون الماء والنفط و(الأمن) (أمن إسرائيل) على اعتبار أن التهديد العراقي لإسرائيل انتهى والى الأبد.
يقول الكتاب: وعندما سارعت الإدارة الأمريكية الى منح السلطة الى العراقيين، كانت عبارة العراق الجديد تعني أن العراق الذي صنعته أمريكا هو الذي تخلص من النظام العراقي السابق، بمعنى أن نهاية صدام حسين هو المطلب الأمريكي الأكبر، على اعتبار أن الحرب نفسها صنعت كل أنواع الاختلال واللا توازن داخل العراق الذي وجد نفسه رهينة حرب شبه أهلية، والعنف اليومي والشعور العام بالعجز الاقتصادي والأمني الذي جعل أكثر من ثلاثين مليون عراقي يعيشون رهينة الاحتلال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ربما كان الرهان الأمريكي هو الاعتماد على العراقيين الذين أبدوا تعاونا كبيرا مع إدارة الاحتلال، وهو ما صنع حالة من الخيبة لدى العراقيين في الداخل، أي أولئك الذين وجدوا أنفسهم خارج (اللعبة السياسية) ربما لأن أمريكا ما زالت تنظر الى معظمهم كجزء من البعثيين، أو ببساطة لأنها تعرف فواصل الولاء التي يحملونها للعراق الذي يرفضون أن يكون جزءا من مثلث الأمركة البريطانية الصهيونية المشتركة.
كانت عبارة (إعادة مقاليد الحكم الى العراقيين) فيها الكثير من الشكوك ومن التشويه، لأن الاحتلال قائم فعلا، ولأن المصالح الأمريكية البريطانية الإسرائيلية ما زالت قائمة بنفس القوة والإصرار على التصرف في الموارد العراقية تحت ستار (سياسي ديمقراطي) يقول الكتاب.
فقبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، سيسعى جورج بوش الى إقناع الأمريكيين أن الحرب على العراق كانت جزءا مهما من الحرب (على الإرهاب!) حتى لو لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل فقد تم إلقاء القبض على صدام حسين الذي يسميه الغرب (ديكتاتور الدمار الشامل).
لهذا فإن الاهتمام الأمريكي سينصب مستقبلا على إيقاف عمليات المقاومة من جهة وعلى تطويق كل التيارات الوطنية الرافضة للاحتلال، وهو ما يفسره التهديد الأمريكي بضرب معاقل ما يسمى بجيش المهدي.
ربما بنفس الأسلوب الذي مارسه صدام حسين للقضاء على التحركات الشيعية داخل العراق بعد حرب الخليج عام 1991، وهو ما يفسره لجوء البعض الى خطاب الاستنجاد بالجنود العراقيين السابقين الذين كانوا يعملون في إطار الجيش العراقي السابق، لأجل المساعدة على (إعادة الأمن كواجب قومي!!) كتاب العراق الجديد، الذي تناوله الإعلام الفرنسي بكثير من الاهتمام جاء ليقول ببساطة أن احتلال أي دولة باسم الديمقراطية هو اغتيال للديمقراطية نفسها وأن ما جرى في العراق ما هو إلا الصورة البائسة للديمقراطية التي تسعى أمريكا الى فرضها كخيار أيديولوجي في العالم، فالذين لن يفهموا لغة (التهديد العامة) سيفهمون لغة الضرب على الرؤوس.
والقنابل التي لا تؤدي دورها هي القنابل التي تكفي لإحداث الخلل، وهو في النهاية الخلل الذي يهدد كل منطقة الشرق الأوسط، لأن أمريكا لن تتوقف سواء بجمهورييها أو بديمقراطييها، لن تتوقف عن المطالبة بالمزيد من التضحيات من العالم كي يسود (الأمن) بأسلوب رعاة البقر يقول الكتاب.
|