عندما خطب جورج بوش أمام أكثر من ثلاثين ألف في جامعة نيوجيرسي الأمريكية، قال إنه يعترف بالأخطاء التي ارتكبتها إدارته في الحرب التي شنها على العراق، وبرر تلك الأخطاء بأنها كانت ستحدث لأن الغاية تكمن في تحرير الشعب العراقي! إذاً، هذه هي الحملة الانتخابية الأعنف التي سوف تعطي (الحق) لكل من الديمقراطيين والجمهوريين كي يشنوا الحرب على الإرهاب من مقاعدهم القريبة من البيت الأبيض.
ستكون الفرصة ليخرج جورج بوش من عزلته إلى الشارع الأمريكي الذي بدأ يعلن عن معارضته له بكل الوسائل الممكنة بما فيها وسيلة الإنترنت التي يبدو أن جون كيري احتكرها لنفسه بحيث إنه صار من أكثر المستخدمين لمواقع الإنترنت الأمريكية والكندية أيضاً لأجل تمرير رسالة تبدو واضحة من البداية مفادها: احذروا إيصال جورج بوش إلى الحكم مرة أخرى!
الأخطاء الرهيبة التي بدأت العديد من الجهات داخل الولايات المتحدة وخارجها تثيرها، لم تكن فقط في صيغة الحرب على العراق، بل في أسلوب التأكيد على أن ما فعلته الحرب كان لأجل تحرير العراق، بينما العالم كله يعرف أن الأراضي الفلسطينية كانت الأقرب إلى التدخل من غيرها، باعتبار أن الحرب الدائرة رحاها في الشرق الأوسط ليست عادلة وفق الإمكانيات العسكرية الإسرائيلية لمجابهة شعب يدافع عن كرمته بالحجارة. كما أن الحرب الأخيرة التي انفجرت في مدينة النجف لم تكن حرباً عادية، لأنها كانت حرباً أخرى بين قوة عظمى ومدينة اعتبرت الاحتلال شيئاً فظيعاً.
الأمريكيون أنفسهم يعترفون أن الاحتلال هو أفظع شيء يمكن أن يتعرض إليه أي شعب، فكيف يفسر إذا ما مارسته أمريكا في دول العالم، وفي العراق وحتى في الأراضي الفلسطينية عبر (إصدارات) الفيتو المستمرة، وعبر الدعم اللوجستي لإسرائيل؟
أليست هذه هي الازدواجية في الشخصية الأمريكية؟ وصول أي جمهوري أو أي ديمقراطية إلى البيت الأبيض لن يغير من الأمر أي شيء، فمن قبل وصلت شخصيات كانت تدافع في خطابها السياسي عن حقوق الإنسان وعن المدنية الحضارية لتقع في حضيض الممارسة غير الحضارية عبر شن الحرب على الشعوب الصغيرة والفقيرة. حدث ذلك منذ الخمسينيات إلى يومنا هذا، فماذا ينتظر العالم من أمريكا خلال الانتخابات المقبلة؟ بل ماذا ينتظر الأمريكيون أنفسهم من مرشحيهم؟
(ليبيراسيون) الفرنسية |