* مطلق سعود المطيري-خاص:
تبذل إسرائيل جهودا محمومة لإخماد نار فضيحة التجسس على حليفتها الكبرى الولايات المتحدة، وللحيلولة دون تعرض العلاقات الحميمة بين الطرفين لأزمة حقيقية.
وكانت وسائل الإعلام الأمريكية قد نشرت في نهاية الأسبوع المنصرم نبأ التحقيق مع شخص يدعى لاري فرانكلين، عمل محللا عسكريا في قسم الشرق الأوسط وجنوب آسيا بوزارة الدفاع الأمريكية خلال السنوات الثلاث الأخيرة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، واحتمال أن يكون فرانكلين هذا قد شارك في بلورة الاستراتيجية الأمريكية التي قادت إلى الحرب ضد العراق.
وقالت شبكة (سي. بي. اس) إن مكتب التحقيقات الفيدرالية يعتقد (بوجود جاسوس يعمل لحساب إسرائيل) في مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وأن هذا الجاسوس (نقل إلى إسرائيل وثائق سرية بينها وثائق تتعلق بمداولات جرت في البيت الأبيض حول إيران، كما شارك في بلورة السياسة التي انتهجها البنتاجون في العراق).
ووفقا لشبكة (سي. بي. اس) فان من بين الوثائق التي نقلت لإسرائيل مسودة توجيه رئاسي بشأن السياسة الأمريكية نحو إيران. وادعى مسئولون في (ايباك)، اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، أنهم لم يسمعوا باسم لاري فرانكلين من قبل.
وكانت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية قد ذكرت أن فرانكلين ليس يهودياً وأنه سيخرج قريباً إلى التقاعد! ونقلت الصحيفة عن مصدر أمريكي قوله إن (التحقيق مع فرانكلين قد ينتهي بتقديم لائحة اتهام، أقل خطورة من تهمة التجسس). وقدر هذا المصدر أن فرانكلين (قد يُتهم باستخدام معلومات سرية بشكل غير صحيح).
ومن جانبها نفت سفارة إسرائيل في واشنطن هذه التهمة، كما نفاها اللوبي الصهيوني المشتبه حصوله على المعلومات من فرانكلين ونقلها إلى إسرائيل. وأكد تلفزيون (سي بي اس) أن الجاسوس على علاقة بمساعد وزير الدفاع بول وولفويتز ودوجلاس فايس، وهما من الشخصيات الرئيسية التي وضعت الاستراتيجية الأمريكية في العراق. ونفى مصدر في الحكومة الإسرائيلية، في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة، أن تكون لإسرائيل علاقة بالجاسوس. وزعم المصدر أن إسرائيل لا تمارس نشاطا استخباراتيا في الولايات المتحدة وأنها حريصة على عدم تكرار فضيحة الجاسوس جوناثان بولارد.
وفي تطور جديد ذكرت صحيفة (نيوزويك) الأمريكية أن مكتب التحقيقات الفيدرالية كان يتعقب المستشار السياسي للسفارة الإسرائيلية في واشنطن، ناؤور جيلون، وأنه اجتمع مع لاري فرنكلين وأحد أعضاء (إيباك)، وهو الأمر الذي أثار الشبهات بأن يكون القسم السياسي في السفارة الإسرائيلية بواشنطن قد تلقى معلومات سرية من مسئولين كبار في البنتاجون حول محاولات إيران الحصول على أسلحة نووية. ومن جانبها نفت (إيباك) هذه الادعاءات ووصفتها بأنها (مغرضة). ونقلت صحيفة هاآرتس عن مصادر سياسية في تل أبيب قولها إن (الجبل سيتمخض ليلد فأرا)، وأن الكشف عن هذه القضية يهدف إلى المساس بالرئيس جورج بوش لعدم تمكينه من الفوز بفترة ولاية ثانية نظرا للتقارب بينه وبين (المحافظين الجدد) في البنتاجون. كما نفت الحكومة الإسرائيلية أي علاقة لها بهذه القضية، وأصدر ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون بيانا نفى فيه جملة وتفصيلا ما تردد في وسائل الإعلام الأمريكية عن (فضيحة التجسس)، مؤكدا أن هناك تعاونا استخباريا كاملا بين الجانبين.
وكتب الصحفي ألوف بن في صحيفة هاآرتس أن قضية فرانكلين قد تلحق بإسرائيل ضررا بالغا، وأن توقيت الكشف عن هذه القضية في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية، وعشية مؤتمر الحزب الجمهوري يعقد المشكلة أكثر. وأضاف الكاتب أن جميع العوامل تتداخل في قضية فرانكلين لوصف العلاقة التي بموجبها تخضع إسرائيل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لحاجاتها، وأن إسرائيل جرت أمريكا إلى حروب لا لزوم لها في العراق، بواسطة المجموعة اليهودية (المحافظين الجدد) التي تقود البنتاجون، وبمساعدة القوة الخارقة ل (إيباك). وأضاف الكاتب أن هذه العلاقة ستؤدي بلا شك إلى تخوف مسئولين أمريكيين من إجراء محادثات مع نظرائهم الإسرائيليين خوفا من أن يتورطوا في تحقيقات مشابهة. واختتم الكاتب مقاله بالقول إنه رغم ذلك كله- وحتى لو انتهت قضية فرنكلين دون أي شيء- يستحسن بالأجهزة الإسرائيلية أن تفحص نفسها جيدا وأن تتصرف بحذر أكثر في الاتصالات مع موظفين أمريكيين، الذين قد يتعرضون لمزاعم عن ارتباط مبالغ فيه بإسرائيل.
وفي تعليقه على هذه القضية قال رئيس جامعة تل أبيب وسفير إسرائيل السابق لدى واشنطن البروفسور ايتمار ربينوفيتش إنه (إذا تبين أن القصة صحيحة، فلن تتضرر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة وحسب، وإنما سيلحق الضرر بالجالية اليهودية في الولايات المتحدة برمتها). أما موقع ديبكا الإسرائيلي المعني بالشئون المخابراتية والعسكرية فقد ذكر أن فرنكلين قام بنقل معلومات مخابراتية إلى (إيباك) كان من شأنها إنقاذ حياة عملاء للمخابرات الإسرائيلية في شمال العراق. وأن هذه القضية تتعلق بتسلل المخابرات الإيرانية في العراق والجهود الإيرانية لإدخال عملاء إلى كردستان في شمال العراق لتصفية عملاء الموساد الإسرائيلي الذين ينشطون هناك.
وأفاد الموقع أن الكشف عن هذه القضية، قبل ثمانية أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد يحدث هزة سياسية في الرأي العام الأمريكي، وقد يكون له تأثير متناقض على الرئيس بوش، فمن ناحية قد تُظهر بوش على أنه تأثر في قراره بالحرب على العراق ليس فقط بمجموعة (المحافظين الجدد)، بل أيضا بجاسوس عمل لحساب دولة أخرى، وهو الأمر الذي قد يجلب عليه ضررا سياسيا وشخصيا بالغا. ولكن الكشف عن هذه القضية قد يوضح من ناحية أخرى أن الرئيس مستعد لاتخاذ إجراءات حازمة سواء ضد (إيباك) أو إسرائيل وأنه لن يرتدع عن فعل ذلك. وهو ما فعله رئيس جمهوري آخر كان من كبار المؤيدين لإسرائيل وهو الرئيس رونالد ريجان الذي عمل ضد إسرائيل في قضية الجاسوس جوناثان بولارد. وإن صح هذا، فإن إدارة الرئيس بوش سوف تتوصل إلى استنتاج مفاده أن المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وخططه السياسية مثل خطة فك الارتباط عن قطاع غزة أو إخلاء المستوطنات لم يعد مضمونا، وأنه حان الوقت لوضع حد للتعاون الذي ساد بين بوش وشارون.
وبذلك تكون إيران هي الرابحة الوحيدة من الكشف عن هذه القضية، ففي أسبوع واحد شاهدوا فشل صاروخ (حيتس) الإسرائيلي- الأمريكي في إسقاط صاروخ مشابه لصاروخ (شهاب3) الذي يمثل الوسيلة الدفاعية الأولى أمام احتمالات مهاجمة إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، وبعد يومين فقط جاءت قضية الجاسوس الإسرائيلي في البنتاجون، وأثبتت صدق المزاعم الإيرانية بأن واشنطن تتخذ قراراتها السياسية والعسكرية وفقا للصالح الإسرائيلي. وتعتقد إيران أن هذه القضية سوف تقيد أيدي إدارة بوش وتحد من قدرتها على العمل ضد السلاح النووي الإيراني. وذكر الكاتب الإسرائيلي زئيف شيف في صحيفة (هاآرتس) أنه رغم نفي إسرائيل أن تكون لها أي صلة بهذه القضية إلا أن جهاز المخابرات الإسرائيلي يعرف فرانكلين جيدا، حيث شارك فرانكلين، في السابق، في العديد من اللقاءات مع مندوبي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، خاصة الاستخبارات العسكرية. وأضاف شيف إن جورج تينيت، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية، كان قد ألمح قبل استقالته من منصبه، وفي عدة مناسبات التقى خلالها بشخصيات إسرائيلية، خاصة رجال الموساد الإسرائيلي، إلى وجود جاسوس لإسرائيل في مقر وزارة الدفاع الأمريكية. وحسب الصحيفة (كان الإسرائيليون يرفضون هذا الادعاء بشدة، وتحدوا تينيت أن يلقي القبض على الجاسوس ويعرضه على الملأ). وأضاف شيف أن تلك الملاحظات نقلت، في حينه إلى إسرائيل وان القيادة السياسية كانت تعرب عن دهشتها إزاء (ادعاءات) تينيت. ولكن إسرائيل لاحظت خلال السنة الأخيرة، حدوث برود في العلاقات بين جهاز ال(سي. اي. ايه) و(الموساد) الإسرائيلي. ونقل عن مصادر إسرائيلية وأمريكية أن ذلك يعود إلى عدة أسباب أولها: تسريب مواد سرية سلمتها واشنطن لإسرائيل، على سبيل المثال المعلومات التي سربتها إسرائيل حول النشاط النووي الليبي، ولذلك امتنع الأمريكيون عن إشراك إسرائيل في المفاوضات التي أجروها مع ليبيا لتفكيك مشروعها النووي. وهناك سبب آخر يورده شيف، هو رفض الموساد الإسرائيلي نقل معلومات مختلفة طلبتها المخابرات الأمريكية، وهو ما أدى إلى رفض المخابرات الأمريكية إشراك إسرائيل في المعلومات المتوفرة حول (إرهاب القاعدة في شرق إفريقيا). كما يورد شيف سببا ثالثا، وهو حدوث تراجع في العلاقات بين قادة جهازي ال(سي. أي. ايه) والموساد، بعد تعيين مئير دجان رئيسا للموساد. وحسب مصادر إسرائيلية مطلعة على جوهر العلاقات بين الجهازين، تسود خلافات سياسية بينهما على خلفية الصراع العربي- الإسرائيلي.
وقالت هذه المصادر إن جهاز ال(سي. أي. ايه) اعتبر في أكثر من مناسبة إسرائيل عاملا مزعجا للعلاقات الأمريكية -العربية، كما يتهم جهاز الاستخبارات الأمريكي إسرائيل بالتأثير سلبا على تحسين العلاقات بين سوريا وواشنطن.
|