Friday 3rd September,200411663العددالجمعة 18 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

أثر الإيمان على الأمن أثر الإيمان على الأمن
عبدالعزيز بن محمد الحمدان ( * )

فإن الإيمان الصحيح هو الذي يملأ النفس بجوانبها المختلفة، ويشمل كيان الإنسان ووجوده، ويصل إلى جذور الحياة، ويتعمق إلى أغوارها، ويقوى سلطانه على المرء فيمده بيقين لا تزعزعه الجبال، وعزم جبار لا يخور، والإيمان يسري في جنبات المجتمع فيجعله فاضلاً، ويعلو عليه بمظلة تحميه من كل مكروه.
قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى - عن معنى الإيمان في الشرع وأنه الذي يحقق الأمن والطمأنينة (ثم إن الإيمان فطرة الله تعالى في النفس الإنسانية وإنه هبة إلهية في الوجود الإنساني، لذلك ربط القرآن الكريم بين الأمن والإيمان، وبين العلاقة المصيرية بينهما إيجاباً وسلباً في آيات عدة منها قول الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} فمن صدق الله في إيمانه، واخلص العبادة له، ولم يخلط عبادة الله وتصديقه إياه بظلم وهو الشرك، فلم يشرك في عبادته لأن الشرك ظلم عظيم، وطغيان كبير، وانحراف شديد، وشر خطير ومرض قاتل، وقلق وضياع فمن كان مؤمناً فقد أمن من عقاب الله ونجا من سخطه وأيقن بالسلامة من العذاب في الدنيا والآخرة، وكان مصيباً سبيل الرشاد، وسالكاً طريق النجاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعطي فشكر ومنع فصبر، وظلم فغفر) وسكت فقالوا: يا رسول الله ماله؟ قال {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
وقال الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} فالله سبحانه وعد المؤمن عند التزام الشرع وتوفر الإيمان بنتائج عظيمة، وآثار كبيرة، منها الأمن والطمأنينة والتمكين.
كما ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمن والإيمان في أحاديث كثيرة،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) فالمؤمن الكامل هو الذي يثمر إيمانه بتحقيق الأمن على الآخرين، فيجعلونه أميناً ويصبحون منه في أمن على دمائهم وأموالهم لكمال أمانته وديانته، وخوفه من الله ومراقبته لله، فإن لم يراع حكم الله في ذمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إيمانه، وهذا تنبيه على تصحيح اشتقاق الأمن والإيمان.
فمن زعم أنه مؤمن، فينبغي أن يطالب نفسه بما هو مشتق منه، فإن لم يوجد فيه صار كمن زعم أنه كريم ولا كرم له.
وللإيمان أثر على الأمن النفسي:
فأمن المجتمع والأمة ينبع من أمن الفرد، وإن أمن الفرد يستقر في نفسه وقلبه وهنا يظهر أثر الإيمان على الأفراد، بتوفير الطمأنينة القلبية، والسعادة النفسية، والهدوء العصبي، والراحة الداخلية، فيطرد الإيمان أمراض النفس كالهم والحزن والقلق واليأس، والخوف والقنوط، والتردد والحيرة، ليأنس بالإيمان يملأ كيانه ووجوده بالشكر على السراء والصبر على الضراء، يقول عليه الصلاة والسلام (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيراً له). رواه مسلم.
كما أن للإيمان أثراً على الأمن الاجتماعي:
حيث يشكل منطلقاً أساسياً لبيان الحقوق والواجبات لأفراد المجتمع، ويرشد الناس إلى الخير في الحال والصلاح في المآل، وينظم لكل مواطن حقه، ويطالبه بواجبه، ويساعد الناس على تنظيم غرائزهم وشهواتهم في الطريق السوي.
فيبعد عنهم نوازع الشر والانحراف والهوى، ويغلق أمامهم سبل الإجرام والعدوان والبغي. ثم يرافق الإيمان سلوك الأفراد لينشئ عندهم مناعة عن الانزلاق في مهاوي الرذيلة عندما تتوفر أسبابها، أو تتحرك دواعيها، أو تحيط بالشخص الظروف التي تغريه بها. ومن هنا يصبح كل فرد في المجتمع رجل أمن يحافظ على أمن المجتمع والأمة والأفراد ويحرص على بقاء الأمن ويقف في وجه من يخل به، أو يثير الاضطراب حوله، وكلما استقر الإيمان في القلب شاع الأمن في المجتمع.
يقول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري ومسلم. فالإيمان يمنح في الأفراد والمجتمع قوة إلزامية بالالتزام بأحكام الشرع، وحفظ الحقوق، والابتعاد عن الانحراف، وبذلك يتحقق الأمن بأوسع معانيه، ويسود الاطمئنان في المجتمع، ويعم الخير والفضيلة.

( * ) الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved