كثير من الناس عندما يرد ذكر الخوارج عندهم تذهب أذهانهم إلى أن الخوارج هم الذين يكفرون العاصي وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم مع الاقتصار على ذلك، ولا شك أن تكفير العصاة من أهل الكبائر يعتبر أصلاً من أصول الخوارج، ولكن لابد من الرجوع إلى أصل فكر الخوارج لنعرف ما الذي جعلهم يسلكون هذا المسلك الشنيع الخطير؟ لأن الكثير من التكفيريين اليوم والمتأثرين بفكر الخوارج، لا يظهرون هذا المعتقد - أي أنهم لا يظهرون تكفير العصاة - بل وبعضهم يتبرأ منه.
وأصل مذهب الخوارج هو: سوف فهمهم لتفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
هذا هو أصل مذهبهم، حيث إنهم لم يأخذوا بتفسير الصحابة لهذه الآية واستقلوا بأفهامهم، وما زال أذنابهم يدندنون حول هذه الآية ويحرصون على رد الآثار الواردة عن السلف في تفسيرها من أجل إحياء مذهب الخوارج. وصدق الله: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (118) سورة البقرة.
أكثر التكفيريين اليوم كلامهم حول هذه الآية، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلما ظهر فِرق انقطع، حتى يخرج بين ظهرانيهم الدجال) فالخوارج باقون، والمسألة التي يدندنون حولها هي هذه القضية. فسوء فهمهم لهذه الآية هو أصل مذهبهم وهم باقون يتكلمون عن هذه المسألة إلى قيام الساعة وأذنابهم يسعون بكل ما أوتوا من قوة من أجل رد الآثار الواردة عن السلف حول هذه المسألة لأنها تهدم ما هم عليه من معتقد. فينبغي للمسلم أن يتعقل وألا تنطلي عليه شبهات الخوارج وحركاتهم.
إنهم كفّروا علياً رضي الله عنه، الخليفة الراشد، المبشر بالجنة، كفّروه بسبب قضية التحكيم، عندما حكّم الرجال من أجل حقن دماء المسلمين، حيث قالوا: (علي كافر) لأنه حكّم الرجال، والله تعالى يقول: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، فقال ابن عباس رضي الله عنهما، يرد عليهم: ليس الكفر الذي تذهبون إليه. وما دام أنهم كفّروا علياً- رضي الله عنه- فمن باب أولى أن يكفّروا غيره.
فحري بالمسلم أن يكون كيساً فطناً، لا تخدعه شعارات براقة، ولا يسير خلف كل ناعق، وأن يحرص على طلب العلم الشرعي على أيدي العلماء المعروفين، وأن يحذر من طلب العلم على أيدي أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، الذين يقولون من خير قول البرية، ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
( * ) حائل ص.ب 3998 |