Friday 3rd September,200411663العددالجمعة 18 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

عشر سنوات على انسحاب الجيش السوفياتي من ألمانيا عشر سنوات على انسحاب الجيش السوفياتي من ألمانيا
الجنرال بولاركوف: الجلاء لم يكن انسحاباً بل كان أشبه بالفرار

* موسكو - سعيد طانيوس:
حلّت الأسبوع الماضي الذكرى العاشرة لانسحاب الجيش السوفياتي من ألمانيا وبالتالي من وسط أوروبا بأسرها، وقد شهد عام 1994 عملية نقل قوات منقطعة النظير سواء من حيث النطاق أو الحدود الزمنية، فخلال نصف القرن الذي سبق هذا التاريخ رابط في أراضي ألمانيا الشرقية أقوى تجمع للقوات السوفياتية وثم الروسية.
كانت (مجموعة القوات الغربية) - كما سمي هذا التجمع آنذاك - يضم 62 منصة لإطلاق الصواريخ العملياتية والتكتيكية ذات مدى يصل إلى 500 كم بالإضافة الى 7900 دبابة معظمها من نوع (تي - 80 أو) المزودة بمحرك غازي - توربيني يتيح الوصول الى مضيق المانش خلال 24 ساعة.
كما تضمنت المجموعة 7537 مصفحة و4414 مدفعا بما في ذلك مدافع كبيرة العيار أي بعيار يزيد على 100 مم و940 طائرة قتالية (بين مقاتلة وقاذفة وطائرة انقضاض) و785 مروحية هجومية وشاحنة، وكان تحت تصرفها 17 غواصة و227 قطعة بحرية.
أما عدد أفرادها فكان يبلغ 351274عسكريا وإذا أخذنا في الحسبان أفراد عائلاتهم فان الحديث يدور عن مليون و200 ألف شخص، ما من بلد في العالم شهد انتقال مثل هذا العدد من البشر من مكان إقامة الى آخر خلال ثلاث أو أربع سنوات، خصوصا وفي حالات كثيرة انتظرتهم أماكن في الوطن تفتقر إلى أبسط أسباب العيش المريح.
ومما جعل مهمة نقل القوات الروسية من ألمانيا أكثر صعوبة وتعقيدا أن موسكو سحبت قواتها في الفترة نفسها تقريبا من بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ومنغوليا وكوبا ومولدافيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وجمهوريات جنوب القوقاز أيضا.
وبالإجمالي جرى سحب ما مجموعه 1.5 مليون طن من الذخيرة و759057 شخصا و260 منصة لإطلاق الصواريخ العملياتية والتكتيكية و13214 دبابة و18305 مصفحة و9668 مدفعا و2722 طائرة و1844 مروحية، وتمتد الى تلك الحقبة بالذات جذور المشاكل الحالية التي يعانيها الجيش الروسي حيث لا يملك 165 ألف ضابط وضابط صف أي ثلث جميع ضباط الجيش الروسي مساكن في وطنهم.
وجدير بالذكر أن الجيش الروسي ترك في أراضي ألمانيا 777 مدينة عسكرية تضمنت 36290 بناية ومنشأة ذات أغراض مختلفة بما في ذلك المباني السكنية، وقد تم بناء أكثر من 21 ألفا من تلك المباني على حساب الاتحاد السوفياتي، أما قيمة كل العقارات التابعة لمجموعة القوات الغربية فيقدرها الخبراء اليوم بـ30 مليار مارك ألماني.
ونفس هذا الرقم أورده الجنرال ماتفي بورلاكوف القائد العام الأخير لمجموعة القوات الغربية.
ولا يزال هذا الجنرال يعتقد أن إجلاء القوات الروسية كان أشبه بفرار منه بنقل قوات جدي ومدروس وإن جرى بصورة مبرمجة وبمراعاة كل الشروط الأمنية.
وهو يحمل مسؤولية ذلك للقيادة العليا للاتحاد السوفياتي آنذاك وفي مقدمتها ميخائيل غورباتشوف والتي كانت - على حد قول الجنرال - تمارس سياسة قصيرة النظر وعديمة المسؤولية إلى أقصى حد وكذلك الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين الذي قلص بأربعة شهور الفترة غير المعقولة أصلا لإجلاء القوات وذلك من أجل إرضاء صديقه المستشار الألماني هلموت كول.
صحيح أن ألمانيا الاتحادية خصصت 8ر7 مليار مارك لبناء مساكن لأفراد مجموعة القوات الغربية وعائلاتهم ممن تم إجلاؤهم من أراضي ألمانيا الديمقراطية السابقة، وكان من المفترض أن يجرى بهذه النقود بناء 4 ملايين متر مربع من المساكن أو 72 ألف شقة.
ولكن القيادة الروسية وقيادة الجيش لم تتمكن، مع الأسف الشديد، من التصرف العقلاني بهذه الموارد التي سرقت معظمها أو تم اختلاسها من قبل المتنفذين في عهد يلتسين، فمثلا، تم نشر فرقة الدبابات رقم 10 شأنها شأن العديد من التشكيلات المماثلة الأخرى في أرض خالية في ضواحي مدينة بوغوتشار في مقاطعة فورونيج (وسط روسيا).
وأسكنوا الناس ضباطا وصف ضباط وجنودا وعائلاتهم في خيم من التربولين وبيوت من الصفائح الحديدية تاركين الآليات الحربية في العراء، وعاش العسكريون وعائلاتهم في هذه الظروف محرومين تماما من أسباب الراحة مدة ثلاث سنوات الى أن أنجز بناء المدينة العسكرية.
وهناك أمثلة كهذه لا تعد ولا تحصر.
أجل، ان آثار إجلاء القوات الروسية من ألمانيا بصورة مستعجلة وغير مدروسة وقرارات الساسة والقادة العسكريين القصيرة النظر سوف تبقى فترة طويلة عالقة في ذاكرة الضباط وزوجاتهم وأطفالهم الذين أصبحوا رغم إرادتهم ضحايا هذه العملية التاريخية بدون أي مبالغة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved