Friday 3rd September,200411663العددالجمعة 18 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

نص نص
درس في اللغة العربية
عبدالله سليمان الطليان

منذ أن خطوت الى المدرسة وبدأت في التعلم بالتدريج أصبحت أميل إلى لغتي العربية، وأخذت تستهويني معانيها ومفرداتها مع الوقت حتى كانت حصة اللغة العربية هي المفضلة لدي، وبذات حصة الأدب. بل اني انتظرها بفارغ الصبر لكي اروي ظمئي منها فيجول المعلم بنا فيها ونحن منجذبين يشدنا ذلك الثراء اللغوي الجميل فيبحر بنا في عذوبتها ورقتها، تتمايل الكلمات شعرا ونثرا فنشدوا احيانا ونطرب عند ترديدها نشوة تهز اجسادنا فتتركنا في شوق الى المزيد. كنت اتمنى من المعلم عدم التوقف عندما يلقي تلك القصائد من الشعر العربي القديم فأسرح في خيال واسع بين تلك الأبيات ومعانيها. وكم كانت تصف الحقيقية وبشكل دقيق تغني عن كتابة العديد من الأوراق حيث تجد أن البيت يعبر عن صفحة كاملة، صار المعلم يعرض علينا في كل حصة قصيدة لاحد فطاحل الشعراء العرب القدماء ويقوم بشرحها. ومع مرور الوقت تولد لدي شعور واحساس غريب كان يلح عليّ في خلوتي ووحدتي وصار هاجسي فوددت ان ابوح به الى معلمي ولكن كنت دائما في تردد، وفي احد المرات قررت بقوة ان افاتح معلمي بما في خاطري لعلي اجد لديه ما يطفئ هذا الشعور الذي ارقني، وبينما كان يشرح قصيدة لابي فراس الحمداني رفعت يدي طالبا السؤال فقال لي: تفضل. فقلت له: الا تلاحظ ايها المعلم ان غالبية تلك القصائد تتحدث عن القوة والشجاعة يمتزج فيها الحب والغزل احيانا؟ فرد عليّ قائلا: وماذا في ذلك، ان هذا يطبع كافة القصائد العربية القديمة ولقد اوضحنا هذا السؤال سابقا في عدة مرات ام انك نسيت. لا يا ملعمي ولكني اشعر بالمرارة والاسى على واقعي، فهل حقا كنا نمتلك هذا التراث العظيم أين هذا المجد المسطر من حاضرنا؟ أين تلك القوة التي صورها لنا هذا الشعر الذي نردده الآن وما زلنا نتذكره ونفخر بذلك؟ انظر الى هذا البيت من قصيدة ابي فراس:


ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين او القبر

أين نحن من هذا؟ فأجابني معلمي على الفور: لا تحاول ان تخرجنا عن درسنا دعك من ذلك ودعنا نكمل درسنا. فأصررت على طرح الموضوع من جديد مما جعله ينصاع لرغبتي بعد ما الحيت في طلبي وقال: لعل ما تشعر به هو ايضا محل اهتمامي ولقد عايشته منذ اطلاعي وبحثي وظللت مهتما به لفترة وبعدها احسست انني لن اخرج بنتيجة عندها فضلت تنحيته جانبا مع مرور الوقت وتقدمي في السن. وكم كنت في مرحلة الشباب يغمرني نفس شعورك واكثر لكن كان الواقع اقوى مني وليس باستطاعتي فعل شيء. امة ماتت عزائمها وقواها وانهار جسدها وصار الكل ينهش فيه، تضرب وتهان كرامتها ولا تسمع سوى الصراخ والعويل، تمزقت وتشتت الى اجزاء وضاع صوتها، اصبحت تبكي على الماضي وهي تعرف ان خلاصها يكمن في قوتها فهو المصدر الذي يخرجها من هذا الوضع لا شيء غيره، فكما تعلمنا انا وانت وقرأنا ذلك في هذا الادب الزاخر بمعاني البطولة والتضحية الا اننا نصاب بخيبة الامل في حالنا الراهن، لقد اصبحنا جيل هزيمة نبحث عن بارقة رجاء نتعلق بالاحلام التي صارت من الاوهام، انه زمن الانكسار العربي.
ان صفحة الماضي ذهبت ولن تعود بالبكاء عليها وترديدها، لقد صرنا امة لغة نجسدها في المناسبات حيث بقية آخر ما تبقى لدينا نصارع به اعداءنا وسوف نتوقف ونلازم الصمت وتكون الدموع هي سلاحنا الاخير ونقول كما قال حافظ ابراهيم:
لم يبق شيء من الدنيا بأيدينا
الا بقية دمع في مآقينا
معلمي انك تزيد حزني وتعاستي ولا اخفيك سراً انني افضل الموت في بعض الاحيان على العيش في هذا الوضع المزري. نظر معلمي الى ساعته وقال: لقد انتهى الدرس وموضوعنا لن ينتهي انه يحتاج الى وقت اطول للمناقشة معذرة. وخرج بعدها تتابع خروج زملائي من القاعة ورحت اراقبهم اثناء الخروج وحدثتني نفسي هل سيغير هذا الجيل واقع هذه الامة.. التمني هو ما املكه.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved