احاول انا اطرح من خلالكم قضية.. ومن خلالكم ايضاً ابحث عن اجابة منطقية.. تساؤلاتي ليست همجية.. وطرحي ابعد ما يكون عن العصبية.
اسئلة صارخة.. وان شئت فسمها مصارحة.. ولكن الاجابات خفية.
باختصار انا ابحث عن القاتل وعن الضحية.
ربما اكون قد وصلت للضحية.. لكن ياللاسف..! لم اجد القاتل..! ولم اجد له اثرا ولا حتى هوية، ما حدث اليوم وحدث بالامس ويحدث دوماً اشبه بالمسرحية.. لن ابالغ واقول كوميدية.. ولن اصدق ابطالها واقول انها قصة رومانسية.. ولكن سأترك اختيار التسمية لكم.. ولكن بعد الفراغ من فصول المسرحية.
الفصل الأول
اثنان.. ربما شاب وفتاة.. وقد يكون اخ واخاه.. روحان في جسد.. بل هما عين وهدب.. اخلاق وقمة ادب.. ذهب والطرف الآخر هو لمعة الذهب.. حب وطرب.. فرج وكرب.
قضيا معاً اياماً عديدة.. كانت لياليها سعيدة.. وافراحها مديدة.. كان الحب لهما بستانا، الصدق رمانه، والاخلاق عطره وريحانه، والتضحية لبه وعنوانه.
الفصل الثاني
كان الحبل جميلا.. وكان الدرب في نظرهم طويلا.. وبالتأكيد كانت القلوب هي الدليل.. كان دستورهم لا، ثم لا، للرحيل.. فراقهم مستحيل..! بل هو المستحيل.
الفصل الثالث
فجأة!
وبدون مقدمات.. ولا حتى بروفات
ومع تتابع الآهات.. وتسابق الزفرات.. وتحت ايقاع الحسرات
حدث ما كنا نراه مستحيلا.. بل يستحيل
نعم
انه الفراق.. بعدما انحل الميثاق.. وتبخر الوفاق.
يا للهول
ماذا يحدث على خشبة هذا المسرح الصغير العجيب؟
نزف ودماء تراق.. جراح لم تعد تطاق.. مشاعر الى المشنقة تساق
نعم
لقد زال الاشتياق.. وأحرقت الأوراق.
الفصل الرابع
اصبح المسرح يعج بالنحيب.. على حال من كان في نظرهم حبيب وحبيب.
الجماهير تصيح! ماذا حدث؟
اين الحب؟
لكن ليس هناك من مجيب
زال التغريد.. وحل مكانه التهديد والوعيد.. لقد اصبح القلب وحيدا.. لم يعد يواسيه الا التنهيد.. لقد اصبحت الليالي الجميلة ماضيا تليدا
مات الحب الذي كان في نظر الجمهور في عمر الوليد
أسدل الستار.. وقبل ذلك غادرت الجماهير وهي غاضبة متحسرة.. حمل الابطال حقائبهم.. ودماءهم تنزف.. فقد بذلوا من المجهود الكثير..
ولكن من هو المحق ومن هو المخطئ؟ من هو القاتل ومن هو المجني؟
اشياء لم تروها
مدرجات المسرح خالية.. والاضاءة هادئة.. والاصوات خافتة.. وافكار القلم الاصفر هائمة.. اما مشاعري فهي ما بين غارقة وعائمة
لك ان تتخيل مسرحا ضخما لم يبق به سوى هذه الكلمات
حملت نفسي من مقعدي الاخير في زاوية المسرح.. وامسكت قلمي الاصفر واوراقي البيضاء.. حاولت ان البس ثوب العقلاء.. واتوشح وشاح النبلاء
جلست بكل كبرياء وشموخ في الصف الاول.. وعيناي تارة صوب المسرح الخاوي.. وتارة صوب صفحاتي البيضاء.
جردت قلمي، ونزعت كنه كساء الصمت.. حينها وحينها فقط شعرت بأن قلمي يتوق الى الكتابة.. يحاول ان يكتب عما رآه وشعر به وينقله الى الجمهور الذي لم يشعر بذلك
كتب عن ذلك الطفل البريء الذي كان يركض في خوف ويغادر وينسى العابه.. وكتب عن ذلك العجوز الهرم الذي راعه ما شاهد فارتحل بدون عكازه.. وعن ذلك الشاب الذي دخل المسرح وهو بكامل هندامه وفي نهاية المسرحية غادر بنفسه وتجاهل الاهتمام بهندامه.
سرعان ما تجاهلت كبريائي.. وتراجعت الى الصفوف المتأخرة.. فقد تعودت عليها كثيراً.
كتبت في اوراقي عن ابطال هذه المسرحية.. بل وصلت بقلمي الجرأة الى انتقاد المسرحية من حيث قساوتها القلبية.. واهمال مخرجها ابسط واجباته المهنية.. وانتقدته ايضاً في قصر الفصول السعيدة.
كتبت في اوراقي عن الجمهور وبعض المشاهدات.. فقد رأيت المنصت المتأمل المتألم.. ورأيت الضاحك المتأقلم..! ورأيت الجاهل في الحياة ورأيت المتعلم.. اما على خشبة المسرح فحاولت ان اعرف الظالم والمتظلم.
ما زال قلمي يريد ان يكتب ويعبر.. ولكن الورق اكتفى واكتسى باللون الاسود بعد البياض.. اتمنى الا تكون قد ضجرت من تتابع احداث هذه المسرحية.
|