Friday 3rd September,200411663العددالجمعة 18 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

نوازع نوازع
وصفة (الخوف) ونكسة المحافظين
د. محمد بن سعود البشر

بدأ المحافظون المتطرفون في الدوائر السياسية الغربية يجنون الثمار المرة لتوجهاتهم المتهورة إبان تغلغلهم في مصادر النفوذ والقوة في دوائر صناعة القرار السياسي.
هذه الأيام تعيش الولايات المتحدة أحداث تورُّط مسؤول يعمل في مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالتجسس لمصلحة إسرائيل، وتتزامن فضيحة التجسس هذه مع حمى الانتخابات الرئاسية مما جعلها ذريعة للمناوئين لسياسة المحافظين في الاستدلال على تهورهم السياسي الذي زج بالسياسة الخارجية الأمريكيين في أتون حرب ضد الإرهاب لا يعلم أحد نهايتها.
فضيحة التجسس هذه أخذت أبعاداً بالغة الأهمية، فقد تسربت المعلومات الجاسوسية عن طريق اثنين من موظفي (لجنة العلاقات العامة الأمريكية - الإسرائيلية) (إيباك)، وهي أبرز جماعات الضغط اليهودية المؤيدة لإسرائيل، وأكثر جماعات الضغط الأمريكية نفوذاً في الإدارة الأمريكية. ومن جهة أخرى فإن (لاري فرانكلين) - المتهم بالتجسس - كان يعمل تحت إمرة نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا (وليام لوتي) الذي يشرف بدوره على مكتب (العمليات الخاصة) الذي نشط أثناء الحرب على العراق العام المنصرم. هذا المكتب هو أحد مكتبين أنشأهما المحافظون الجدد لتقديم معلومات استخباراتية للرئيس متجاوزين بذلك وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، تعرض هذا المكتب لاتهامات كثيرة حول تزويد الرئيس الأمريكي بمعلومات مغلوطة ومبالغ فيها عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق قبل الحرب.
المعلومات المغلوطة، والمبالغة في تصور الأمور، وتكريس نظرية (الخوف) هي أدوات ووسائل استخدمها المحافظون المتشددون لتأجيج الحروب والكراهية في الشرق الأوسط لخدمة مصالح معينة استفادت من أحداث 11 سبتمبر وطوعتها لتحقيق هذه المصالح. كتاب (ريتشارد بيرل)، و(ديفيد فروم) بعنوان: (نهاية الشر: كيف نكسب الحرب ضد الإرهاب) يمثل تأطيراً لرؤى المحافظين المتطرفين الذين كانوا يقرعون طبول الحرب حتى تحقق لهم ما أرادو. يقول (باتريك بيوكانن) في مقالة نشرتها مجلة الأمريكان المحافظين The American Conservative في عددها الذي نشر بتاريخ 1 مارس 2004م إن كتاب بيرل وفروم إنما كان (وصفة للخوف) كتباها نيابة عن المحافظين للإدارة الأمريكية وأصرت على تجرعها لتدفعها للحرب على العراق ثم توسيع دائرتها في الشرق الاوسط، والاستعداد لمزيد من الحروب في مناطق أخرى من العالم بدعوى (الخوف من الإرهاب). بل يذهب بيوكانن إلى أبعد من ذلك في نقده لطروحات المحافظين السياسية ويُصرح - ولا ينبئك مثل خبير - بأن كتاب (نهاية الشر) يعطي الانطباع بأن مهمة القوات الأمريكية هي ان تجعل الشرق الأوسط منطقة آمنة لشارون!! وأن (المحافظين الجدد) لا يريدون تقليص قائمة الأعداء، فهم لا يريدون حصر الحرب ضد الجهات التي هاجمت الولايات المتحدة صباح يوم 11 سبتمبر، بل هم ساعون لتشمل قائمة الأعداء (كل الدول المعادية لإسرائيل)، وتهورهم في ذلك لا حدود له!!
وإذا أردنا أن نعرف العلاقة بين فضيحة التجسس التي أشرنا إليها آنفاً وطروحات المحافظين الجدد الذين تنفذوا في السياسة الخارجية بما يخدم إسرائيل فإن علينا أن نقرأ بعض ما كتبه بيوكانن في مقاله، فقد ورد فيه:
1- المحافظون الجدد ملتزمون بالدفاع عن (الصهيونية) وليس في مقدورهم انتهاج سياسة خارجية تخدم مصالح أمريكا فقط ولا تضمن رعاية المصالح الإسرائيلية.
2- في طروحاتهم السياسية يلوحون بتهمة معاداة السامية.
3- سبق لريتشارد بيرل أن قال لرئيس وزراء إسرائيلي: (الطريق إلى دمشق يمر عبر بغداد).
4- في عام 1998 قام بيرل وآخرون من (المحافظين الجدد) بإرسال مذكرة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يطلبون منه شن حرب على العراق، ووعدوه فيها بالتأييد إذا قام بذلك.
5- يعتبرون أن كل مشاريع السلام التي يوافق عليها رئيس أمريكي لقيام وطن للفلسطينيين نوعاً من الخيانة.
6- كل وطني أمريكي يطالب شارون بالتوقف عن بناء المستوطنات في فلسطين وتسوير القدس هو معاد للسامية.
7- المطلع على خطة الحرب على العراق كأنما يلحظ أنها أعدت في وزارة الدفاع الإسرائيلية!!
8- أخيراً يقول بيوكانن: عندما دق رامسفيلد وبوش وتشيني طبول الحرب قال أحدهم: كلنا قد أصبحنا (محافظين جدد)!!
هؤلاء هم المحافظون المتصهينون الذين أحكموا الحصار على بوابة السياسة الخارجية الأمريكية، وصوروا للناس - في أمريكا - حالة هستيرية من العداء والكراهية للعرب والمسلمين ليتأهبوا لمزيد من المعارك التي تخدم إسرائيل والصهيونية، هؤلاء هم المجموعة التي قصدها زبغنيو برجنسكي - مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر والمفكر الاستراتيجي الشهير - بأنها (المجموعة المتطرفة التي تمكنت من استغلال الصدمة (يعني أحداث 11 سبتمبر) واختطاف السياسة الخارجية الامريكية)، بيد أن هذا التكتل العنصري أخذ الآن في الانهيار، وبدأ الكثير من الأمريكيين يرددون ما قاله بيوكانن للمحافظين: (إن أجندتكم غير أمريكية، وإنكم لا تحاربون من أجل أمريكا)؟!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved