Friday 3rd September,200411663العددالجمعة 18 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

بين رجب وشعبان بين رجب وشعبان
د. محمد بن سعد الشويعر

شهران من أشهر السنة، قد جعل فيهما بعض الناس، عبادات لم يشرعها الله، ولم يأذن بها رسوله صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا قد أكمل الدين لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، كما أمرنا سبحانه باتباع سنة رسوله الكريم فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر.
ولذا فإن الواجب على الإنسان، أن يهتم بيسر الإسلام وسماحته، ويتبع هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فلا يزيد في شعائر دينه شيئاً، بحجة أن هذا من باب الحرص والزيادة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا) ويجب ألاَّ يشدّد الإنسان على نفسه، فنكون كبني إسرائيل شددّوا فشدّد الله عليهم.
فقد حدّد عليه الصلاة والسلام لأمته أموراً فيها قدرة للنفس على العمل، ولا مشقة عليها مع الاستمرار، وقد ردّ صلى الله عليه وسلم على الثلاثة المتحنثين: أحدهم قال: أصوم ولا أفطر، والثاني قال: لا أتزوج النساء والثالث قال: أحيي الليل ولا أنام، حيث بان الأثر عليه لما علم بما ألزموا أنفسهم به، وقال لهم مستنكراً: أمَّا أنا أصوم وأفطر وأنام وأقوم من الليل، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وما أحدث في رجب وشعبان ممَّا أراد به بعض الناس إلزام نفسه فوق طاقتها، فإنه يدخل في البدع التي لم يأذن الله بها، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. والرسول الكريم قد قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ). كما قال عليه الصلاة والسلام في إحدى خطبه: أما بعد: (فإن خير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم - وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
وعلماء المسلمين في كل زمان ومكان يحذّرون من البدع والخرافات التي لا دليل عليها، ولا مؤشرات النبوة أو ختمها ظاهرة بها، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: (ذروني ما تركتكم عليه، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة اختلافهم).
فعن شهر رجب: الذي دخلته كثير من البدع، يجب على المسلم أن يمحّصها، ويتبيّن دليلها، فإن لم يجد شيئاً موثقاً يدل عليها، فعليه ان يحذرها.. فمثلا بعض الناس من يخص هذا الشهر بالعمرة، ويرى أن لها فضلاً عما في بقية شهور السنة وهذا مما لم يثبت له أصل يعتمد عليه، بل هذا من الأمور المحدثة، زيادة في تشريع دين الله، ومعلوم أن الزيادة في الأمور التعبدية مرفوض، بعدما اكمل الله لهذه الأمة دينها, وكأن هذا استدراك على الشارع وهو سبحانه العالم بما تصلح به أحوال عباده، والعالم بما يستطيعونه: عملاً وتكليفاً.
والاستدراك على المشرِّع سبحانه تطاول عليه جل وعلا، واتّهام بالقصور تعالى الله عن ذلك.
ثم يأتي في 28 من رجب الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، فالله سبحانه قد أسرى بعبده ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاء في سورة الإسراء، وكلِّمه ربّه، وفرض عليه - قبل الهجرة للمدينة - في هذه الليلة الصلوات الخمس، التي بدأ فرضها خمسين صلاة، فخفضت إلى أن استقرّت خمس صلوات في اليوم والليلة فهذه الليلة كما ذكر سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في الجزء الأول من فتاواه أنه:
أولاً: لم يأت في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم تعيينها: لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عنه- صلى الله عليه وسلم- عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها.
ثانياً: ولو صحّ تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصّوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء.
ثالثاً: ولو كان الاحتفال بها مشروعاً لبيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة: إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة للأمة ووصل الينا خبره، وهم أسرع الناس وأسبقهم لكل ما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: ولما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، فعلم أن الاحتفال بها ليس من الإسلام في شيء (1: 188).
وفي شهر شعبان فقد اهتم علماء الإسلام قديما وحديثا بتتبع ما أحدث فيه، من صلوات أو صيام وفندوا ما قيل في ذلك وأنكروا البدع المحدثة فيه كما ذكر ذلك كل من الّف في تعظيم السنة، وإنكار البدعة: كابن وضّاح وأبن أبي شامة والطرطوشي من علماء الأندلس والمغرب، وابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن كثير من علماء الشام والعراق، وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس في شهر شعبان، الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام، وأوردوا فيها أحاديث، بتعظيم الاحتفال بليلة النصف من شعبان بحجة أنها الليلة التي تقدر فيها الآجال، وقد وضّح العلماء أن الاحتفال بها، ليس له أصل ولم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحتفل بها صحابته الكرام.. قال ابن رجب رحمه الله في كتابه لطائف المعارف: وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل إنه بلغهم فيها أحاديث آثار اسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك فمنهم من وافقهم على تعظيمها: منهم عُبّاد من أهل البصرة وغيرهم. وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة.
وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا:ذلك كله بدعة واختلف علماء الشام على قولين في صفة إحيائها: مؤيد ومعارض.. ولما قيل لابن أبي مليكة: إن زياداً يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته، وهكذا غالبية العلماء ينكرونها ولا يلتفتون إلى النصف من شعبان ويجعلونها كسائر الليالي.
يقول العلاّمة الشوكاني في الفوائد: حديث: يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد: عشر مرّات إلاّ قضى الله حاجته مهما كانت) هو موضوع وفي الفاظه المصَّرحة بما يناله فاعلها من الثواب، ما لا يشك في وضعه، ورجاله مجهولون، وحديث عائشة في هذا ضعيف وفيه انقطاع.
قال النووي في كتاب: المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب 12 ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بدعتان منكرتان، ولا يغتّر بذكرها في كتاب: قوت القلوب، وإحياء علوم الدين. وقد ألف الشيخ المقدسي فيهما كتابا نفيساً في إبطالهما وقد فصل فيه وأجاد.
محاكمة جنيّ عادلة:
جاء في كتاب:( محاضرات الأدباء ومناظرات النجباء) لعلي بن هذيل أن القاضي تقيّ الدين بالقاهرة روى عن وليّ من الأولياء أنه كان له صديق قال: كنت في سياحتي بالصحراء في يوم شديد الحرّ وإذا بحيّة قد عرضت لي فضربتها في رأسها، فغشي عليّ في الحال، فاستيقظت، وأنا في أرض غير هذه الأرض في غلس كغلس الصبح وأرى صوراً كصور بني آدم في حديث طويل.
فسمعت قائلاً يقول للآخر: هذا الإنسيّ خطفه بنو فلان لو صعد على تلك الرّبوة، وقال: أنا معتصم، بشريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لنجا، قال: فعلمت ما قال فلما قلتها أُخذْتُ وحُمِلْتُ إلى مسجد، وفيه صور مختلفة فإذا بشيخ في المحراب له لحية كبيرة فحدّثته بقصّتي. فقال: إئتوني ببني فلان، فأُتي بهم، فقال لهم: سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: يا معشر الجنّ من تشكّل لنا منكم على صورة شيء من هذه الحيوانات فدمه هدر، فدمه هدر، ثم قال الشيخ: ردّوه إلى مكانه.. فردّوني إلى مكاني. (ص 116 - 117).
وحكاية أخرى قال: دخل بعض العلماء على الرشيد - وكان دميم الصورة قصير القامة - فاستحقره الرشيد فقال: ما أقبح هذا الوجه! فقال العالم: يا أمير المؤمنين إن حسن الوجه ليس مما يتوجّه به عند الملوك، هذا يوسف عليه السلام، أحسن الناس وجهاً، قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم ولم يقل: إني حسن الوجه جميل.
قال الرشيد: صدقت، ارتفع فرفع قدره، ورفع مجلسه.
حكمة:
قال ابوحنيفة للأعمش: لولا أني أثُقل عليك لعدتك كلَّ يوم، قال: أنت تثقل عليّ، وأنت في بيتك، فكيف في بيتي!!.
من أقعدته نكاية الأيام أقامته إغاثة الكرام، ومن ألبسه الليل ثوب ظلماته، نزعه عنه النهار بضيائه.. وقيل: أطع من فوقك، يطعك من دونك (ص 120 - 121).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved