عادة ما تكون الثقافة عاملاً مهماً في حياة الفنان.. الثقافة للفنان بقدر ما هي حماية لفنه.. ودرع يتقي به مغبة الجهل الذهني بل الإفراط دونما تحسب ودراية.. هي كذلك شرط أساسي لا بد من توفره في الفنان الذي يبتغي الرقي بفنه.
إن محدودية الثقافة كثيراً ما تشل أفكاره.. وتقعده عن العمل الخلاَّق المنبثق عن الإيمان بأن الفن لا يؤمن بالحدود.. لا تقيده الحواجز.. وسراج عمر.. ذلك الموهبة الشابة.. المكتنزة طموحاً.. والذي طرق باب التلحين الغنائي.. وهو الواثق بمقدرته الفنية بعد أن أضفى على موهبته.. وخبرته الكثير من الثقافة الموسيقية متى ما قسناها بثقافة فنانينا الملحنين.. إذ تبدو بالنسبة لطموحه.. ولنظرته المتطلعة الوثابة شيئاً من قليل يتمنى ان يتبعه الكثير من الثقافة والتحصيل.. لا سيما وهو يجني ثمار نجاحه دونما كبرياء وغرور.. يتطلع اليها كجهود متواضعة.. بينما تأتي في الدرجة الأولى مع الحان كبار ملحنينا سناً وتجربة.. يكفيه فخراً ان يتغنى بألحانه أشهر مطربينا.. وأن تنهال عليه المطالب الملحة بالحان يتغنون بها.. ومع ذلك لا يتوانى في ذلك مقدما عصارة جهده من الالحان في خدمة الفن.. لا يفرق بين فنان من الدرجة الاولى.. أو هاوٍ يبحث عن ساعد يشد أزره.. وهذا ما لم يتحقق لمن سبقوه في هذا المجال.. يرون ذلك عيباً أن يلحنوا لموهبة ناشئة.. وهم الملحنون لأعمال طلال.. أو محمد عبده.. أو عبادي.. وهذا الحال مدعاة للسخرية من أولئك.. قد يسيئون بنا الظن معتقدين بأننا سنتهمهم بالهبوط.. أو الجفاف عندما يتبنون من لم يعرفوا بعد كأعلام في الغناء.. وبعض الظن إثم.. لست أدري سبباً لماذا يماطل الملحنون.. ويلتمسون الاعذار امام الناشئة هروبا من واجب مشروع.. بينما يأتي (سراج) محطما تلك الافكار.. شاذا عن القاعدة الانانية.. غير عابئ بما يُقال وما سيُقال.. ان التصاقي بهذا الفنان جعلني اطلع على جوانب خفية في حياته كفنان يحترم فنه.. وفي حديث لي معه عن العديد من الحانه والتي اندهشت لوفرتها بهذه الكمية.. واعتقدت بأن الأمر فيه شيء من الارتجال.. الا ان حدسي خانني إذ فوجئت به يقول: (صدقني بأن معظم هذه الالحان منها ما يقارب عمره السنة ومنها الأكثر.. لست أؤمن بالسوق التجارية.. لذا توفر لديَّ الكثير من الالحان.. وها أنذا أخرجها لترى النور.. فأرجو أن لا يفسر ذلك بالارتجالية.. وقد كان استماعي لتلك الالحان هو الآخر دليلاً على ما يقول.. فتفاوت النوعية.. وجودتها تجعلني أؤكد ما يقول.. وكل ما أدركه بأن فنانينا الكبار.. خاصة معظم المغنين لا يقيمون وزنا للحن المتكامل.. لا يهمهم سوى اللحن (الفرفوشي) والذي يبدو كفقاقيع الصابون.. زاهية كقوس قزح ثم لا تلبث ان تتلاشى ودليل ذلك أن معظم اغانيهم كورقات التقويم الحائطي..!؟ أو ك(اللبان) المطعَّم بالسكر ما ان تلوكها في فمك حتى يزول طعمها مطالبا بأخرى.. وهذا هو المفهوم الخاطئ والذي يقع ضحيته معظم الالحان الناجحة.. كألحان توفر لها العنصر الموسيقى الشجي.. الذي يشدك اليها أكثر من كلمات الاغنية.. لا لمجرد حفظك لكلمات تمجها وتستخفها..
منذ الوهلة الأولى التي أقدم فيها هذا الملحن (سراج) على امتهان التلحين وضع لنفسه منهاجاً.. يعتز به كمبدأ بأنه سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه الملحن السعودي أن يقدم أعمالاً تستحوذ اعجاب العالم العربي.. بل تقربها لكل أذن عربية.. لا لتقدم كجبر خاطر.. في برامج أو مناسبات محدودة.. لا سيما وان ما يذاع من بعض اذاعات الدول العربية هو من الاعمال التي لا تشرفنا نحن مثلما قدم أحيانا في برنامج من أغاني الخليج الذي يقدم من اذاعة القطر الشقيق الكويت خاصة وان معظم من يقدمون بعض الاعمال المهترئة كعمل فني من اغانينا مازالوا بدون هويات فنية لدينا.. وهذا أمر أتركه امام المسئولين في الاذاعة والتلفزيون.. وهم الذين عودونا دائما بتجاوبهم واهتماماتهم..
وهنا لا يسعني إلا أن أُحيي ملحننا الشاب الطموح (سراج عمر) إكباراً مني لكل رجل عامل كفء.. سار من السفح بتأنٍ.. فلن يكون وصوله الى القمة عسير المنال وان كان سيقف مستقبلا في صف زملائه الملحنين كطارق وطلال.. وعمر كدرس.. وعبد الله محمد.. وربما تفوق عليهم لأن معظم هؤلاء وصل الى قمة المحدودية.. والجدب.. نتيجة الارتجال.. وفقر الالمام بشئون الموسيقى كموهبة وثقافة.. فالوصول الى القمة سهل ولكن الصعب هو الثبات عليها.
|