يحاول الفنان المغني.. عن طريق الانتاج المستمر والعمل النشيط.. تقديم نتاجه بين آونة وأخرى.. وفي أوقات متقاربة جداً.. وهو لا يدرك أن هذا العمل يأتي على فنه كما يأتي الجراد على الزرع الاخضر.. الفنان يقتل أعماله.. بل يغتالها في مهدها.. فهو في سبيل الحصول على لقمة عيشه لا يدري أنه يئد تلك الاعمال التي اعطاها من جهده وعرقه ما يعطي الصائغ لحليه من عناية وإتقان صنعة.
هذه ظاهرة فنية تستحق التوقف ولو قليلا لكي نسبر غور ابعادها.. ومدى تأثيرها على سير فننا الغنائي..؟ فما هي أسباب لجوء الفنان لهذا الاسلوب الارتجالي..؟ وما مدى تأثيرها في الاغنية المحلية؟ اعتقد أن الدوافع التي حدت بمعظم فنانينا للانتاج المتتالي وتقديم العمل تلو العمل تقتصر على عاملين لا ثالث لهما.. طغيان المادة على روح الفن لدى الفنان ومتاجرته بأعماله دون النظر للفن وقيمه.. ومراميه.. وقد يكون العامل الآخر هو المنافس الذي تحول من تنافس في النوعية والجودة.. إلى التنافس بالكم دون الكيف.. ظنا من الفنان نفسه أن هذا اسلوب يستطيع به اقناعنا بمواهبه.. وتجديده.
وأما مدى تأثيرها على الاغنية المحلية فهو واضح تمام الوضوح فيما يقدم من أعمال جديدة تكتسح الاعمال الفنية القديمة مع أن القديم قد يكون أكثر أصالة.. ولكن بحكم الفضول ينقاد السامع للجديد بغية منه في إشباع نفسه بلون جديد قد لا يتوافر في العمل القديم.. لقد عاشت (مرحب بك يا هلا).. و(جاءت عطني).. و(ابتدت أيامي).. لطلال، و(وفي دينك).. و(لا تحسبني).. و(من ثلاث أيام).. لمحمد عبده، ولكنها سرعان ما تلاشت وكدنا ننساها لخروج أعمال جديدة زمنياً أسدلت عليها حجاباً.. فجاءت (ما تقول لنا صاحب .. الله يرد خطاك.. أجاذبك الهوى..) وقضت على أعمال طلال وهي ما زالت تتمتع بشعبية.. كذلك الحال بالنسبة لمحمد عبده (جاءت ماكو فكه.. وكفاني عذاب.. حياتي).. وقضت على آخر أعماله. وهنا يبدو واضحا وجليا ان الفنان يستهلك نفسه بمشيئة منه ودون اكراه.. فهل يعي الفنان مغبة هذا الاسلوب الارتجالي ويحاول بذلك غرس الثقة في أعماله الفنية.. وإعطاءها فرصة العيش للحكم عليها.. من حيث الجودة والرداءة .. لكي تستقبل الجماهير أعمال الفنان بالكثير من اللهفة والاشتياق؟!.. فقد اتخمت اذن السامع.. دون ان تستطيع التفريق بين غثها وسمينها.
المحرر |