Thursday 2nd September,200411662العددالخميس 17 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

جريمة من نوعٍ آخر جريمة من نوعٍ آخر
د. موسى بن عيسى العويس/ الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

ومع أنني لست ممن يرى تفضيل جيل على آخر، أو يبالغ - كما يفعل بعض الكتاب - في الإشادة بزمن دون سواه، ويستميت - دون دليل - في الدفاع عنه، ويذهب في تقديس معطياته وظروفه، وأحواله ورجاله كل مذهب، مع هذا كله، لا أبالغ إذا قلت إننا إلى سنوات قريبة جداّ في هذه البلاد كنا ننظر بعين الإجلال والإكبار والمهابة والوقار لذلك المعلم الذي تجاوز، وهو يشرح معلقة (امرؤ القيس) أبياته التي بدا فيها شيء من التهتك والامتهان والمجون والإسفاف في التعبير؛ حين يقول متغزلاً:


وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها
تمتعتُ من لهوٍ بها غير معجل
تجاوزت أحراسا إليها ومعشراً
عليّ حراصاً لو يسرون مقتلي
فجئتُ وقد نضّت لنومٍ ثيابها
لدى الستر إلا لبسة المتفضّل

إلى أن يقول:


فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعاً
فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشقِ وتحتي شقها لم يحوّل

نعم كان ذلك في وقتٍ، نحنُ فيه أبعد ما نكون عن الحلم والرشد إلى زهو الشباب وميعته، ونزق الصبا ونرجسيته، لكن حواجز الدين و المبادئ، وحدود القيم والأخلاق أملت علينا حفظ اللسان، وصون السمع عن الخوض بما يخدش القيم، ويذهب بالحياء، ويجانب الذوق السليم، ويتنافى مع الفطرة الصافية، رغم أن هذه الصور لم تعرض لنا إلا في قالب تعبيري، أداته اللفظ الدقيق، والتركيب المحكم، والصورة المتخيلة، وكفى بها فحشاً حينئذٍ.
ليس هذا فحسب، بل عرفنا الموقف الاجتماعي الرافض لمثل هذا المذهب الذي سلكه الشاعر، مما حدا بوالده أن يقوم بطرده وإقصائه من العشيرة، نتيجة لهوه ولعبه، ومعاقرته الخمر، ومغازلته الحسان، ولقب بالشاعر (الخليع).
ولا أدري، هل بقي من تلك الكوكبة من المعلمين المربين بقية، أم لا ؟
أعود إلى عنوان المقال، حين وسمت هذا الاتجاه بالإرهاب، وشأني في ذلك شأن غيري ممن ملكهم هذا المصطلح هذه الأيام، وأسهبوا في تجريده وتعريته تبعاً للظروف الراهنة التي نعيشها، وفرضت المصلحة على كل واحدٍ مشاطرة الوطن فيها.
لا أكتم القارئ أنني وحين لامس مسمعي ما أثير في المنتديات ووسائل الإعلام المقروءة عن (الأزمة الأخلاقية) التي حدثت، جراء نشر مقاطع عبر شبكة الإنترنت، والجوال المصّور عن حادثة الاغتصاب، توقعت أنه تطور آخر، وتنويع في الأسلوب للجماعات الحركية، إذ أكاد أجزم أن من يستبيح الدم، والاعتراض في الطريق، والسرقة لا يتورع عن أية وسيلة ينتهجها، يرى فيها زعزعة للمجتمع، والنيل من وحدته وترابطه.
أما وقد تبين لي غير ذلك فقد حمدت الله وشكرته على أن كانت الفريسة كذلك ليست غربية حتى لا ندخل في نفق آخر، يضعنا أمام تساؤلات لا قبل لنا بها حاضرا، ويخضع ديننا وأخلاقنا لمماحكات ومحاكمات ثانوية.
التطرف في الأخلاق على هذه الصورة التي تنتهجها بعض الفئات الماجنة،
لا يقل خطورة عن الإرهاب الفكري الذي ابتلينا به إن لم يكن أقبح منه، وأعظم نكرا، وأشدّ ضررا، ولا يختلف عنه إلا في كون الأول مهد له بعض المنتسبين الى الدين والمرتدين عباءته.
أما الإرهاب الجنسي فهو مستورد بكل أدواته ووسائله مهدت له المذاهب الإباحية الغربية التي غزتنا عبر وسائل الإعلام، ووقفنا أمامها مبهورين، وأيّا كان المنطلق، فالظاهرتان وجهان لعملة واحدة.
الأزمة الأخلاقية التي حدثت وصورها الباندا في الرياض لم تأخذ حقها في نظري من الإثارة والشجب والاستنكار، والمسؤولية مشتركة في حفظها، وأرجو ألا نكون استمرأنا ما نشر وصور وسرب، أو أخذتنا مشاغل الحياة بما هو أقل منها.
المجتمع في حيرة، والكتاب مختلفون أمامها كما يبدو لي، فهذا يرميها على الهيئات الدينية، المسؤولة عن حفظ الأعراض، وآخر يحملها المؤسسات الدعوية، ومنهم من يلقيها على مؤسسات التربية والتعليم، ولا غرابة في ذلك، فالانهزامية أمام الموقف تملي على الإنسان الاضطراب.
الشيء الذي أجزم به وأثق من تحققه أن كل جهة أوكلت لها الدولة صيانة هذا المجتمع, والحفاظ على تماسكه قد وضع برامجها وخططها لمعالجة مثل هذه النزعات التي تهز الضمير.
وقفة
لم يكن لتلك المرأة التي كشفت مفاتنها، وخلعت رداء الطهر والحياء والعفة مكانة في قلب الشاعر (أبي الفضل الوليد)، ليقول:


كم غادة برزت في السوق فاتنة
حتى إذا عريت من وشي ديباج
أنفت منها، وقد زالت ملاحتها
مع ثوبها وغدت قطناً لحلاّج
دع الخلاعة لا تركب سفينتها
إن الزوابع شتى فوق أمواج
تحت السكون هياجٌ فيه عاصفةٌ
فلا تغرنك خوذٌ طرفها ساجِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved