وماذا بعد إحراق المساجد؟

ليس بعد إحراق المساجد وتدنيسها من مذلة وامتهان لكرامة المسلم، ولن نجد مبرراً لمثل هذا العمل المتطاول على بيوت الله، لكن هذا ما حدث في أعقاب إقدام فئة ضالة على ذبح 12 من مواطني نيبال العاملين في العراق، ليخرج في ذات اليوم المئات في عاصمة بلادهم كاتماندو لتفريغ الغضب فيما رأوا أنه رمز لمن ذبحوا مواطنيهم.
وحقيقة الأمر أن هؤلاء القتلة قد جنوا على أولئك الأبرياء، كما جنوا على كامل الأمة الإسلامية، حينما ارتكبوا جريمتهم تحت راية الإسلام وتحت مسمى إسلامي يطلقونه على عصابتهم الإجرامية.
إن قطيعة كاملة تتحقق الآن بين العالم الإسلامي وكثير من أنحاء العالم، فما حدث بالنسبة لمواطني النيبال من الصعب تداركه أو إصلاحه، لأن قتل مثل هذا العدد الكبير هكذا مرة واحدة وبدم بارد لا يمكن تفسيره سوى أنه فوضى في السلوك الإجرامي المنفلت الذي لا يمت للإسلام ولا لأي دين آخر بأي صلة.
وعلى الأرض العراقية تجري فصول مأساة أخرى قد تكون نهايتها مذبحة مماثلة، وللأسف فإن الخاطفين هنا أيضاً يرفعون اسماً إسلامياً ويرتكبون عملاً يتبرأ منه الإسلام، عندما أقدموا على خطف اثنين من الصحفيين الفرنسيين عكست أعمالهم انحيازاً للمواطن العراقي ضد الاحتلال.
هذا التدهور المتواصل لصورة العالم الإسلامي يستمر بوتائر أسرع حاملاً كل يوم فظائع لا يمكن تصورها ومن الصعب إيجاد مثيل لها في مكان آخر من العالم، وكل ذلك يرسخ من صورة سلبية موجودة أصلاً في أذهان الآخرين للعرب والمسلمين.
إن مسؤولية كبيرة تواجهها جميع الدول الإسلامية لوقف هذا الجنون، بل إن كل مسلم يشعر أن عليه أن يفعل أي شيء أو يسهم في وضع حد لهذه المهزلة.
والأفدح أن المزيد من مثل هذه الجرائم يمكن أن تحدث اليوم وغداً وبعد غد، فالعمل هو في أساسه عمل جبان ويجري تنفيذه في الظلام وبعيد كل البعد عمّا يمت للشجاعة أو الوضوح بصلة، ومن هنا تنبع صعوبة خطورته، إلا أن ذلك لا يعفي من التحرك الفاعل واستنهاض الهمم واستنباط كل الأساليب الأمنية لتطويق هذا الجنون.