الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تمسك بسنته واهتدى بهداه وبعد :
قال الله تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ، وقال تعالى :{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، وقال تعالى :{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ } ، وقال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ، فالواجب على جميع الخلق عربا وعجما وجِنّاً وإنساً اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - والتدين بدين الإسلام ، قال تعالى :{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } فلا يسع أحد الخروج عن ملة هذا النبي قال - صلى الله عليه وسلم - :( لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به ، إلا دخل النار) فمن قال : إن اليهود والنصارى اليوم على دين صحيح وأن الأديان الآن ثلاثة كلها صحيحة فهو كافر وقوله باطل. قال تعالى :{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، ومن قال إن أحدا يسعه الخروج عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر ، قال تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } ، وليس المراد التحكيم في الخصومات وفي الأموال والحقوق فقط ، وإنما هذا عام في تحكيمه في كل خلاف ولاسيما في العقيدة.
وبعض الناس يقول : لا يقصر الناس على قول واحد بل كل له وجهة نظره وحرية رأيه - ونقول : بلي يقصر الناس على دين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى قول الله ورسوله قال تعالى :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } ، نعم الخلاف يقع وتلك طبيعة البشر كما قال تعالى :{ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } ولكن الواجب على المختلفين رد خلافهم ونزاعهم إلى كتاب الله وسنة رسوله ، كما قال تعالى :{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }وليس لأحد أن يعبد الله إلا بعبادة قد شرعها رسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال - صلى الله عليه وسلم - :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وفي رواية - ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا أحد شرطي قبول العمل.
والشرط الثاني وهو الأساس : الإخلاص لله في العمل بأن لا يكون فيه شرك ، كما قال تعالى :{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا } وقال تعالى :{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } وقال تعالى :{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } والخلاف يجب أن يحسم بالرد إلى الكتاب والسنة والأخذ بما دلا عليه أو دل عليه أحدهما ، وإذا لم يتبين الدليل مع أحد القولين في المسائل الاجتهادية فلا إنكار في مسائل الاجتهاد كما قال العلماء ، لكن يكون القصد طاعة الله ورسوله لا التعصب للرأي ويكون ذلك في مسائل الاجتهاد التي لم يتبين الدليل فيها ولها محمل في الدليل فهذه لا إنكار فيها ، ولكن إذا اخذ حاكم المسلمين بأحد الاجتهادات وجب الأخذ به تبعا له لأجل جمع الكلمة ونبذ الفرقة والخلاف.
ومن ثم قالوا : حكم الحاكم يرفع الخلاف ومن ذلك أن عثمان - رضي الله عنه - كان يرى إتمام الصلاة للحجاج بمنى وقد أتم الصلاة فيها وصلى خلفه الصحابة الذين حضروا عنده وتابعوه ومنهم ابن مسعود - رضي الله عنه - ، ولما قيل له في ذلك قال يا ابن أخي الخلاف شر.
وهذه مسألة عظيمة ينبغي مراعاتها ولاسيما في وقتنا الحاضر الذي قل فيه العلم وكثر في المتعالمون ، وتطاول المتطاولون وأصحاب الأهواء الذين يقولون اتركوا الناس وحرياتهم لا تصادروا آراءهم خذوا بالرأي والرأي الآخر ، وهذا المبدأ يفسد الدين ويفرق الكلمة وتنجم عنه نتائج وخيمة.
نسأل الله أن يعافي المسلمين من شرها وشر أصحابها ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
* عضو هيئة كبار العلماء |