ليست تلك عناوين لأفلام سهرة عربية، لكنها أسماء لرجال لهم جهد لا ينكره مواطن عاش في الرياض قبل ثلاثين عاماً وتلك الأسماء أذكرها حينما كنت أدرس المتوسطة والثانوية بالرياض، حينما كنا نحن الطلاب نسير على أقدامنا عشرات الكيلوات إلى المدرسة دون أن يذهب بنا السائق!!
كانت اللحوم في الرياض لدى الأغلبية من سكانه تعتمد على لحم الجمل، والجزارون أذكياء وخبثاء يعرفون كيف يغشون المشتري، وكان الشراء لا يزيد على الكيلو أو الكيلوين فقط، لأن الثلاجات قليلة جداً، فلكل يوم رزقه كما يقولون، فحدث أن كان هناك شح في الدجاج الذي يومها من أجمل ما يؤكل، (زوجوا إمامكم البنت المغناج وأطعموه لحم الدجاج) فكان جهد مزارع فقيه في ذلك واضحاً، بحيث إنها صارت ترسل كميات هائلة من الدجاج إلى الرياض وصار لها محلات في كل حي للبيع، ولكي تغري الشركة الشباب السعودي في العمل المتواصل فقد استنت سنة عملية، بحيث تعطي الشاب راتباً معقولاً لا مغرياً، لكنها تعطيه السيارة الجديدة التي يستعملها لنقل الدجاج بعد أن ينقل كذا رداً من الدجاج، فأقبل الشباب عليها أيما إقبال، وبذلك حلّت شح لحم الدجاج أيامها، وهو جهد تشكر عليه، وعمل وطني له صدى.
أما الحكير فقد كان هو ممون الرياض بالثلج، لأن الثلاجات في البيوت قليلة يومها، فقد كان مصنعه في شارع سلام، وكنا نذهب على أرجلنا إليه لأخذ قالب الثلج قبل أن يحين موعد الفطور في رمضان، وعند الرجوع نستأجر عربة يجرها حمار ونجتمع ثلاثة أو أربعة لندفع الأجرة، فكان للحكير جهد في تبريد حر الصوم في رمضان، زد على ذلك أن المصنع يقع قرب نخل به بركة ماء كبيرة كان يؤمها الشباب للسباحة يومها، وقد ساعدت تلك البركة على تعليم الكثيرين السباحة، لأن هناك (لستك) يملؤه الذي يريد تعلم السباحة بالهواء ثم يطرطش في الماء حتى يتعلم رغم أنفه، وكانت أجرة السباحة نصف ريال يستلمها عبده بكل حزم!!
أما المنجم فكانت له ثلاجة مشهورة في طريق الحجاز القديم المتجه من الرياض أي في حي الشفا الآن، وكانت تزدحم بالمواطنين الذين يشترون من الثلاجة، ما يريدون من المواد الغذائية، فصار لها صدى لدى العامة، حتى أن لاعبي البلوت إذا خاف أحدهم من الهزيمة قال له صاحبه ليطمئن: خل أعصابك في ثلاجة المنجم، أي حسبما يقول المصريون: (اجمد يا راجل)!!
عنّت لي تلك الأسماء في الرياض قديماً، أي أنها أسماء يذكرها جيلي الذي تجاوز الأربعين خريفاً مثلي، لكن الحال تغيّر سعة في الرزق، فجاءت الحقبانية لتحل محلاً جميلاً يحرك الهواء ويجلب البرودة التي نعتبرها آنذاك جميلة، والحقبانية هي نوع من مراوح السقف كان يستوردها تاجر من أهل الرياض اسمه الحقباني، فكسب هذا الاسم عند العامة، حتى أن الرجل إذا استشاره صاحبه في تركيب مروحة سقف يقول له: هاه... لا تركّب إلا حقبانية ترى غيرها (خرطي)، وأظن أنها لا زالت تتمتع بثقة الزبون إلى اليوم.
وإذا أردنا تعداد الأسماء التي كانت مزامنة لنهضة الحياة في الرياض قبل الطفرة فسوف يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، ولعلي أتكلّم فيما بعد عن ذكريات الطفولة في الرياض، أي من عام 1380هـ .
فاكس : 2372911
ABO_HAMRA@HOTMAIL.COM |