ها هو الصيف يوشك على الرحيل.. تاركاً لنا شريطاً من ذكريات.. وأحلاماً تحققت وأخرى تلاشت.. وما زلنا نحلم مثل مدينتنا الصاخبة الحالمة وإنها لتعزف أعذب سمفونية للعاشقين وهم يتأملون سحرها وجمالها وينشدون أجمل أشعارهم ويحلقون بها في الفضاء الرحب وكأنهم في البندقية يجدفون بجنودله مرددين أغاريد المهندس الشاعر علي محمود طه رحمه الله، وهو سابح في أحلام الشباب بين فينسيا، بحيرة كومو، وكان..!
ولا زلنا نترع أخطاءنا وننثر بقايانا، والصور المتكسرة تتراقص من جديد أمامي، فمنذ بدأ الصيف، أضحت مدينتنا الحالمة الرائعة بحلة غير التي اعتدنا عليها، فقد غابت النظافة عن أحيائها وشوارعها.. لأننا جميعا سلبنا روعتها واسترسلنا في أنانيتنا وساهمنا في تشويه ملامحها الفاتنة.. فبين عشية وضحاها تغيرت وأضحت عجوزاً عرجاء، فجمالها تبدل إلى نتوءات واتسخت شوارعها بارتال من النفايات وتدهور كورنيشها بروث الدواب، ذاك الكورنيش الذي يعكس جانبا حضاريا فيها!
أما (المجاري) والمياه المتسخة التي فاضت برائحتها في مناطق وشوارع كثيرة فحدث عن البحر ولا حرج، والبلديات لم تنفذ أمر الإمارة لمن يترع بياراته في الشوارع!
إنني أتألم عندما أشاهد هذه المناظر، بعكس ما تكون عليه بعض دول آسيا التي تضع عقوبات لمن يلقي بعلكة (لبانة) في الشارع العام.!وللأسف ما هو ملاحظ في مدينتنا أنها صورة تبين حضارتنا وتطورنا.
لأن النظافة ممارسة حضارية لم يعتد عليها الكثيرون لأن أساس التربية مفقود، لم تغرس سلوكيات ايجابية منذ الصغر في أبنائنا. وإنني أتعجب من إقامة مهرجان كل عام في الصيف باسم جدة (غير) ولا أعلم إذا كانت غير، هل بسلبياتها أم ايجابياتها؟
وثمة متسع لإثارة سؤال؟ لماذا لا تطبق عقوبة الغرامة بمبالغ مختلفة حتى تحد من عبث المقصرين الذين يهملون النظافة؟
إننا اعتدنا على التقصير حتى في أبسط الأشياء والذي لا ريب فيه، أن لمدينة جدة حقوقا كثيرا علينا، أبسطها المحافظة عليها كواجهة سياحية، لأنها تعكس مظهراً حضارياً هاماً لنا!
وتقصيرنا نحن جرأ المقيمين على ممارسة التقصير ذاته، أو انتهاك قيمة مكتسباتنا وبيئتنا وشوارعنا..!إن السياحة تتأثر حتما بهذه المناظر السيئة.. ومن الذي يعجبه ويرضيه ليرى روابي من النفايات.. ومستنقعات من مياه المجاري التي تزكم الأنوف مما يزيد في انتشار البعوض الذي يحمل أمراض حمى الملاريا ونرى قائمة طويلة لا حصر لها من الصور المهزوزة التي تبدو على مرأى أجمل لوحة رائعة لمدينة حالمة هي جدة.. فجدة أمس اختلفت عن اليوم.!
الأمر الآخر هناك من يعبث ويضع ملتصقات على واجهات المتاجر والمباني باعلانات مختلفة عن مدرسين وبيع عربات الخ من تلك الممارسات التي يقوم بها الكثيرون.. وكان الأولى ان تنشر عبر الصحف وهو مكانها الأساسي، بعيدا عن تشويه واجهة المدينة الحضارية.!
ان العبث السائد والممارسات الخاطئة لهو دليل على عدم وعينا وتحضرنا واتساءل: كم يبقى من الزمن حتى نرتقي؟
أما وأننا اعتمدنا على الاتكالية حتى في أبسط الأمور، ونسينا تعاليم ديننا في النظافة في قول الهادي عليه الصلاة والسلام (تنظفوا فإن الإسلام نظيف)! هذه بعض الوقفات التي آلمتني وخدشت صورة في داخلي عن صورة النظافة الواقع والمأمول، فمتى يرتقي إحساسنا بواجباتنا ونحافظ على مكتسباتنا، كما يحافظ غيرنا من الأمم المتحضرة الراقية، ألا نعتبر ونفيد من سلوكيات الأمم الواعية!؟.
|