كان العلم في أجيالنا الأولى لاينال بالراحة، ولا بالسهولة، بل لابد من الرحلة في طلبه ومقاساة الهواجر والمسافات الطويلة والمصايرة على قسوة العيش والتنقل في الأمصار، حتى يبلغ طالب العلم أحد العلماء المشهورين، واشتهر الحريري صاحب المقامات في زمنه، فصار الطلاب يفدون إليه من كل صوب، وقصده طالب من اليمن، سمع بأخباره التي ملأت الأسماع، ومدى طول باعه في العلم والأدب.. فرحل إليه..
ولما رآه أول مرة احتقره وتقاله لأن جسمه لم يكن فارها، ولا مقاربا لسمعته في النفوس فأسر ما انطبع في ذهنه، وجلس إلى حلقته، ولكن الحريري في ذكائه ودقة ملاحظته قد أدرك ما يدور في ذهن ذلك الطالب، وتترجم عنه نظراته التي تتفحص شبحه بين الحين والحين، وكعادتهم في إعطاء الامثلة للإعراب من القرآن وكلام العرب المشهور أعطى ذلك الطالب هذين البيتين وطلب منه إعرابهما.
ما أنت أول سار غره قمر
وائل أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل
مثل المعيدى فاسمع بي ولاترن |
ففطن الرجل لما قصده شيخه فانصرف، ولم يعد لحلقة الحريري بعد ذلك، لقد كانوا أذكياء لماحين تكفيهم الإشارة، ويهمنا فوق ذلك أن نستفيد من هذه الحادثة أن شرط الاستفادة هو احترام صاحبها فلابد من الاعتراف بفضل المدرس في قلب التلميذ في قرارة نفسه حتى يقبل ما يأتى به، وذلك مشاهد في حالنا اليوم.؟
فبمقدار احترام طلابنا لأساتذتهم، فليدرك هذا أبناؤنا الطلاب حتى لا تضيع أوقاتهم سدى..
وحتى يضمنوا النتيجة إن شاء الله.
|