* رفحاء - منيف خضير:
تعد قرية لينة في الماضي القريب حاضرة المنطقة فهي مرتع التجار وأهالي البادية لتوفر المياه في آبارها ولوجود سوق تجارية تجمع بين تجار المنطقة وتجار نجد والعراق.. ساهمت هذه السوق في ازدهار المنطقة واختيار لينة لتخزين المواد الغذائية فيها عبر ما يسمى بالسيابيط وهي غرف من الحجارة لها أبواب.
وتقع لينة على درب تجاري مهم بين نجد والعراق، وعلى درب تاريخي أهم وهو درب زبيدة الخاص بالحجاج وتعد القرية من أقدم قرى الجزيرة العربية حيث تعود - كما يقال - إلى عهد سيدنا سليمان عليه السلام والآن قرية لينة قرية شاحبة تقع في مفترق الطرق المؤدية إلى الرياض والقصيم وحائل والحدود والشمالية وقد علا وجهها الحزن لظهور قرى بعدها تحولت إلى محافظات ومدن يشار إليها بالبنان...
(الجزيرة) زارت القرية والتقت برئيس مركزها المكلف حديثاً الأستاذ بدر بن إبراهيم الهزاع (ابن المرحوم إبراهيم الهزاع أمير رفحاء السابق) ليلقي الضوء على ماضي لينة وحاضرها ومستقبلها فإلى البداية..
******
قرية أثرية
تحدث رئيس مركز لينة الأستاذ بدر الهزاع قائلاً: تقع لينة جنوب محافظة رفحاء ب (105 كم، وهي تتوسط بين النفود والحجرة، ويعود تاريخ هذه القرية - كما روى حمد الجاسر - إلى عهد سيدنا سليمان عليه السلام ويقال إن شياطين سليمان احتفروها وأرضها خشنة وحجرية وجاء في كتاب العرب للأصفهاني (لينة ماء لبني غاضرة من أسد، بينها وبين زُبالة ليلة) وهي ماء عظيمة من أعظم مياه بني أسد أكثرها افواهاً واعظمها نطفة وأغزرها جماً وأوسعها إعطاء..) وتعرف لينة بآبارها العذبة، والتي تصل إلى 300 بئر وقد تغنى الشعراء بطيب مائها فقال زهير:
كأن وتيقها بعد الكرى اغتبقت
من طيب السراح لما يعد أن عتقا
شج السقاة عن ناجودها شبماً
من ماء لينة لا طرقاً ولا رتقا
وذكرها الحموي كذلك في معجم البلدان وابن سيدة في كتاب المحكم والشاعر المنقري في كتاب الحيوان.. وكان الحجاج القادمون من العراق يمرون بلينة في بعض الأزمان.
وذكر المؤرخون ان حجاج الكوفة سنة 531 هـ رجعوا من لينة لانعدام الماء، ولم يكملوا حجهم لما قاسوا من مشقة عظيمة وقد شكك علامة الجزيرة حمد الجاسر بقصة حفر الشياطين لآبارها معتبراً هذه القصة طرافة تناقلها الناس.
أما التاريخ الحديث للينة فهو أكثر اشراقاً حيث انها إلى وقت قريب تعد مركزاً تجارياً مهماً يجمع بين تجار العراق والجزيرة العربية وخصوصاً أهالي نجد والشمال، وبها مخازن متعددة لحفظ المواد الغذائية لأولئك التجار ولا تزال آثار هذه المخازن والتي تسمى السيابيط، وآثار السوق القديم باقية إلى وقتنا الحاضر حيث يمكن لزائر القرية أن يشاهد الدكاكين المبنية من الطين والمظلات المصنوعة من سعف النخيل على اعمدة كثيرة.
مشاريع تنموية
وعن وضع القرية الحالي أضاف بدر الهزاع:
القرية ولله الحمد تحظى بدعم واهتمام صاحب السمو أمير منطقة الحدود الشمالية الامير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود وحظيت بعدد من المشاريع التنموية والتي تعد بداية - إن شاء الله - لازدهار هذه القرية التاريخية المهمة، ولكن هذه المشاريع تسير ببطء ولا ترتقي لطموحاتنا وآمالنا ومن أبرزها تشغيل الهاتف الجوال في 6 -2 -1425هـ وكذلك مركز لدوريات الجوازات وتم العمل به قبل حوالي سنة (بداية 1424هـ) وكذلك مشروع الكهرباء وقد تم إنجاز حوالي 85% من المشروع وخلال الايام القليلة القادمة سيتم - إن شاء الله - اطلاق التيار وتشغيل هذا المشروع المهم والذي سيخدم السكان والادارات الحكومية بالمركز.
ومن المشاريع التي تمثل البنية التحتية كذلك جارٍ العمل حالياً على تشغيل مشروع شبكة الهاتف الثابت والذي انتهى تجهيزه وأخيراً تم اعتماد مشروع تسوير اربع مقابر عن طريق بلدية رفحاء.
مجمع قروي وشبكة مياه
وعن أبرز مطالب أهالي القرية قال: القرية بحاجة ماسة حالياً لاحداث مجمع قروي يخدمها ويخدم كذلك القرى والهجر القريبة منها وهي كذلك بحاجة إلى سفلتة ورصف وانارة لشوارعها ووضع مداخل رئيسية تربطها بالطرق الرئيسية.
كما تحتاج القرية إلى حدائق ومنتزهات ومسطحات خضراء تخفف من لهيب الشمس الحار صيفاً ومن قسوة مناخها.
ومن أبرز مطالب الأهالي أيضاً تعزيز الموارد المائية فيها، وذلك بحفر بئر ارتوازي ثالث يخدم السكان والبادية وايجاد شبكة للمياه تكون حديثة حيث ان الشبكة الحالية قديمة جداً ومتهالكة ولا تخدم الا حوالي 25% من سكان المركز. كما يطالب الاهالي باستمرار بإحداث مركز اسعاف تابع لجمعية الهلال الاحمر السعودي، وكذلك اكمال سفلتة طريق لينة - حائل والذي يمر بقرية تربة ولم يتبق منه الا حوالي 20 كم (طريق ترابي - ردمية).
لينة والسياحة
وعن أهمية القرية ومستقبلها أضاف الهزاع: لينة لها موقع مميز حيث تتوسط بين الحجرة والنفود وتحيط بها جنوباً الرمال الذهبية والتي تعتبر مرتعاً دائماً للمنتزهين وهواة البر كما تضم القرية 300 بئر معطلة وهذه الآبار محفورة في الصخر بطريقة مذهلة ومحكمة وهي مثار استغراب لكل من شاهدها.
كما يوجد بها بئر (وطيان) حيث يشتمل على آثار قوم بحجم كبير منحوتة على الصخر بطريقة مذهلة وهذا البئر وطيان سمي بذلك لوجود هذه الوطية الغريبة (والوطية هي آثار القدم).. والآن هذا البئر مهمل ويقع في حرم المركز الصحي بالقرية دون رعاية!! وكل هذه المقدرات تجعل من لينة مكاناً يقصده المنتزهون سنوياً فالقرية اضافة لذلك تتميز بالمراعي الخصبة ومنابت الكمأ ويكثر بها نبات الارطى والذي يستخدم كحطب للوقود.
ويضيف الهزاع: ورغم كل ذلك ففرص الاستثمار تكاد تكون معدومة في لينة للشقق والفنادق والاستراحات الا بعض المطاعم ومحطة للوقود وبعض الدكاكين والاسواق الصغيرة والمتنقلة.. رغم وجود عدد من الادارات الحكومية مثل الامارة، الشرطة، البريد، المحكمة، الجوازات، مدارس للبنين والبنات لكافة المراحل ومركز لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع المدني ومركز رعاية صحة اولية ووحدة بيطرية واتصالات!!
نداء لوكالة الآثار والمتاحف
وفي ختام حديثه ناشد رئيس مركز لينة بالحدود الشمالية الاستاذ الهزاع، ناشد وكالة الآثار والمتاحف بضرورة زيارة القرية وصيانة المقدرات التاريخية والاثرية فيها والتي تحولت بمرور الزمن إلى عبء كبير يعاني منه أهالي القرية حيث يوجد في وسط القرية شاهد أثري يبين عراقة الماضي وأصالة الحاضر، ذلك هو قصر الامارة والذي تم تشييده بعد توحيد المملكة عام 1354 - 1355هـ ليكون مقراً للامارة في المنطقة في السابق من قبل الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وتوجد في القصر بعض الكتابات الاثرية بداخله والتي تحكي تاريخه وسنة تشييده ويقع هذا القصر الضخم على مساحة تقدر بحوالي 1000 م2 وهو مبني من الطين والحجارة ويحتوي سوره على اربعة أبراج دائرية الشكل في اركان الأربعة تستخدم للحراسة والمراقبة ويتوسط السور بوابة كبيرة مصنوعة من الخشب تفتح جهة الجنوب.
أما داخله فقد قسم إلى غرف خاصة لسكن الامير واسرته، كما يوجد به مكان مخصص للضيافة واستقبال العامة ويوجد به مسجد من سعف النخيل وبه بئر قديمة وبه مكان مخصص لخيل الامير وفي وسطه فناء واسع تطل عليه معظم الغرف.
ويضيف الهزاع: وللاسف الشديد فهذا الشاهد التاريخي يتعرض للتقادم وتتساقط اجزاؤه كل سنة من هطول الامطار وهو مهمل تماما حيث تحول إلى دار خربة تجمع الحيوانات الضالة ونفايات القرية وبعض اجزائه النادرة سرقت (مثل أحد دلفتي الباب وبعض الشبابيك) ولعلها فرصة ان ننادي وكالة الآثار والمتاحف بحماية هذا الاثر المهم وصيانته وترميم اجزائه المتقادمة وتنظيفه وتحويله إلى متحف للقرية وتعيين حراس عليه ليبقى شاهداً على العصر.
كما نناشد كذلك بإزالة بيوت الطين (برغم ما ترمز اليه من عراقة وذكريات) لأنها تحولت إلى بقايا قصور خربة فهي قلق وخطر على الاهالي والاطفال والشباب ومنظرها يسيء للقرية ويعطي مؤشراً واضحاً لنوعية الخدمات المقدمة لها.
وهذه البيوت الطينية المهجورة عددها 150 بيتاً من الطين والحجارة وكلها آيلة للسقوط ولا فائدة منها. فعلى أصحابها ان كان لها اصحاب - الحضور وازالتها او اعادة ترميمها بما يتلاءم مع النمط العمراني الحديث خصوصاً وان محكمة رفحاء منحت وتمنح الآن صكوكاً للأراضي او المنازل الذي اثبت اصحابها ملكيتها لذلك نناشد اهالي القرية السابقين بضرورة التعاون السريع حفاظاً على ممتلكاتهم السابقة بدلاً من تركها عرضة للهدم والازالة!!
|