هبة عربية من أجل فرنسا

رغم الظروف المأساوية المرتبطة بالاخطار الفادحة التي يتعرض لها الصحفيان الفرنسيان المخطوفان في العراقي فإن الحادثة أظهرت الحرص العربي الشديد على العلاقة مع فرنسا والبعد بها عن مزالق الأزمات التي يمكن ان تتسبب بها تصرفات غير مسؤولة وغير واعية بأبعاد هذه العلاقة المتميزة.
فقد اتفق العرب الرسميون وغير الرسميين وكل الوان الطيف السياسي في الشارع العربي من اقصى اليمين الى اقصى اليسار على اهمية انقاذ هذين الصحفيين من ايدي هؤلاء الناس الذين احترفوا القتل بدم بارد ضد الأبرياء، والذين تدور في أذهانهم أفكار مغلوطة عن الدين إذا كانوا فعلا مسلمين،
والمشكلة ان هذه الجماعات تعمل تحت راية الاسلام، الامر الذي يزيد من معضلة العرض السيئ للاسلام في الساحة الدولية ويعمق الازمة التي يعيشها المسلمون بسبب تصرفات قلة محسوبة على هذا الدين القويم الذي يمتلئ سماحة وودا وعطفا، ومسألة الخطف هذه والتهديدات بالقتل تنطوى على اكثر من بعد سلبي بدءا من المبررات التي يدفع بها الخاطفون وطلباتهم غير الواقعية وانتهاء باسلوب التعامل مع الازمة والانذارات التي تترك دولة كبرى رهن تصورات خاطئة لجماعة لا تقدر ما تقوم به وليس لها خلفية عن العلاقات العربية الفرنسية، وما تقوم به فرنسا من دور فاعل على الساحة الدولية من اجل مناصرة القضايا العربية.
واذا كانت هذه الجماعة الخاطفة هي فعلا عراقية فإن المصيبة تكون اكبر، لان فرنسا كانت من بين الدول الكبرى التي عارضت الحرب على العراق، ولا زال هذا الموقف من قبل باريس عامل توتر في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية.
وهناك ما يرتبط بالاداء الفرنسي الإعلامي الذي عرف منذ عقود عديدة بنهجه المهني الموضوعي في مناصرة الحقوق، الى جانب ان هذين الصحفيين اعتادا على كشف الممارسات اللاانسانية خلال احتلال العراق.
وكانا ثابت انهما في الأجهزة الإعلامية الفرنسية عامل توازن في التغطية الإعلامية الغربية التي يتحامل بعض أطرافها بشدة على أهل المنطقة ويدفعون بوجهات ترسخ المعاني المشوهة في اذهان الغرب عن الاسلام والمسملين فضلا عن الصور النمطية السلبية عن العرب.
الافرازات، وفقا لذلك، تصب كلها في خانة السلبيات، ومن ذلك انحسار الضوء الإعلامي الدولي الموضوعي عن العراق وربما انسحاب من تبقى من صحفيين أجانب من العراق طالما ان الذين يخطفون يفعلون ذلك انطلاقا من خطط عشوائية لا تعبر بأية حال من الاحوال عن هموم العراقيين الذين يتطلعون الى مناصرة دول العالم لهم في محنتهم.
لكن الشعب العراقي يجد انه لا حول ولا قوة له امام هذه العصابات التي تسلبه وسائل مخاطبته للعالم من خلال اسكات مثل هذه الأصوات الحرة التي تنقل الحقائق وترد على التشوهات التي تدفع بها الاجهزة العالمية المناوئة للعراق وللعرب وللمسلمين والتي يهمها ان تستمر مثل هذه السلبيات.
كل ذلك يقود الى القول إن الذين ينفذون مثل هذه العمليات ليسوا عراقيين كما ان الفعلة المنافية للتطلعات العربية والإسلامية قد تكون من تدبير اناس آخرين يتخفون وراء اسماء وشعارات إسلامية لضرب الاسلام.