من ضمن مفردات ثقافة الخوف التي توارثتها الأجيال أن تخاف الأمهات حين يرزقن بالولد من العين، فلا يخبرن عنه إلا بعد ولادته بأيام، وهي عندما ترضعه تذهب بعيداً عن الأعين، وهي في مراحل تنشئته تحيطه بالحذر والخوف ويمتد هذا الخوف إلى إخفاء عدد الأبناء الذكور حين يسأل عنهم، وكذلك الحال مع البنات وعلى وجه التحديد إن كنّ جميلات ويتمتعن بصحة وهيئة. وما يكون في هذا الشأن من الحرز والخوف والحصانة يكون في شأن أيَّ نوع من أنواع الرزق، المال، الأملاك، وامتد إلى الأفكار، المشاريع و... بل إلى عدد الجيران والأصدقاء!... ولم يبق إلَّا أن يخبّئ المرء عدد أصابع يديه، ورموش عينيه!!
تذكَّرتُ ثقافة الخوف، حين عطَّلَتْ الإجراء النظامي للتِّعداد السكاني في مرحلته الأولى، وكيف (خبَّأت) البيوت عدد أفرادها خوفاً من العين وحرزاً من الحسد!!... الأمر الذي لم يساعد على إحصاء السكان إحصاءً سليماً ودقيقاً.. لذلك كانت العاملات في الأسر يقفن من وراء الأبواب ليذكرن العدد اثنين عن ثلاثة، وناقصاً وليس زائداً، وإناثاً وليس ذكوراً!!
كذلك كانت الجدات المعمرات في عداد النسيان خوفاً من أن (يُحسدن) بالعين الحادة لامتداد أعمارهن، فلا يأتي صاحب البيت على ذكر أمِّه أو أمَّ زوجه أو أيَّة امرأة معمِّرة أو رجل معمِّر كي يبقى في منأى عن العدد خشية الحسد!!
تذكَّرْت هذه (المخلّفات) الثقافية السالبة شأنها شأن ثقافة (العيب) التي أفقدت الحركة الحضارية الكثير من مقومات التطوير والتغيير الإيجابي. وفي شهر شعبان القادم سيبدأ التعداد السكاني في مرحلته (الأهم) بحيث يحتاج إلى توعية شاملة ودافعية للتعاون كبيرة.
في خطاب سعادة أخي العزيز عبد الله سليمان العثيم مدير عام مصلحة الإحصاءات العامة وهو المشرف العام على مشروع التعداد يحفِّز على مشاركتنا في هذا المشروع كتابة؛ ما يؤكد أنَّ مشروع الإحصاء لتعداد السكان أصبح من الأهمية بحيث لابد أن تتم التوعية به وله عن كلِّ من له سبيل يصل به إلى أفراد المجتمع عامة؛ ذلك لأنَّ مجتمعنا لا يزال في كثير من قطاعاته يتقيد بثقافته القَيمية المؤثِّرة سلباً أكثر من تأثيرها إيجاباً. ولعلَّ المشاريع الحضارية التطويرية تتطلب المشاركة والتضافر ومن أهمها هذا المشروع.
-يتبع- |