* الرياض - أحمد محمد طاشكندي:
من عام مضى أجرت «الجزيرة» حواراً موسعاً مع الدكتور فهد السلطان الأمين العام لمجلس الغرف السعودية نال الكثير من الاهتمام في المجال الاقتصادي السعودي، وخاصة في القطاع الخاص. واليوم نناقش معه عدداً من القضايا الإدارية والتجارية التي تشغل الوسط التجاري الصناعي في المملكة.
* في رأيكم ما شعار القرن الواحد والعشرين بالنسبة لآليات العمل؟
- من وجهة نظري أن شعار مطلع القرن الواحد والعشرين هو إعادة النظر في مفاهيم العمل ونظرياته وتطبيقاته العملية. فأنت تعرف أن التغيير والتحديث والتجديد والسرعة أصبحت سمات هذا العصر، وهذا يعني أن معطيات هذه الفترة لا تتطلب تغييراً في الآلية فقط، بل إنها تستلزم إعادة النظر في مفاهيم العمل ومسلماته، بل ومتطلباته.
ومن هنا فإن التحديات الإدارية الحديثة تختلف، وبشكل جذري، عن مثيلاتها في العقود الأخيرة من القرن العشرين الميلادي الماضي، وهو يتطلب وقفة موضوعية ومراجعة علمية وعملية مهمة تقوم على محورين رئيسيين: الأول القراءة المتأنية والموضوعية للأحداث والمستجدات على الساحتين الأكاديمية والعملية، والثاني طرح الرؤى والمفاهيم العلمية العامة التي تساعد على التهيؤ والاستعداد، ومن ثَمَّ التعامل والتعايش، بل والتأثير في مجريات الأحداث.
لم تعد لغة البيروقراطية والعمل الروتيني الورقي والتركيز على معالجة المشكلات الطارئة التي تواجه المنظمة التجارية أو الصناعية أساليب تتناسب ومعطيات الفترة الحالية ومتطلباتها.
لقد أدت التغيرات الجديدة في التجارة العالمية من جانب، والتطور السريع والمذهل في العوامل الاقتصادية المساندة (اتصالات، مواصلات، تقنية إدارية، تقنية فنية... إلخ) من جانب آخر، إلى تغيُّر جذري في هيكلة السوق والقوى المؤثرة فيه من خلال عدد من الأبعاد، لعل من أهمها:
البعد الأول: يتمثل في العلاقة بين العميل والمنتج.
البعد الثاني: يتمثل في العلاقة بين المنتجين أنفسهم.
البعد الثالث: يتمثل في حالة اللا استقرار في البيئة الاقتصادية التي عاشتها المؤسسات المنتجة.
البعد الرابع والأخير: ظاهرة الانكماش الاقتصادي التي بدأت تلوح بوادرها، والتي من المتوقع أن تسفر عن ضعف في القوة الشرائية وانخفاض حادٍّ في الأسعار.
مؤسسات الإنتاج الغربية
نأمل أن تحدثنا بشيء من التفصيل عن الهندرة، وماذا يعني هذا المصطلح، وعن تطبيقاته العملية في الإنتاج الصناعي؟
- إن إعادة هندسة الأعمال وصياغة المستقبل الصناعي (الهندرة) هو الذي ميَّز المنشآت التي نشأت حديثاً عن تلك المنشآت العريقة بما فيها المنشآت الضخة القوية.
في اعتقادي أن نجاح المنشآت الناشئة يعود لعدة أسباب، قد يكون في مقدمتها أن هذه المنشآت الفتية تخلصت من التفكير المقيد، ونظرت إلى المستقبل بعيون لا يشوبها غبش الماضي وأعرافه، ولا تحديات الحاضر ومعوقاته. هذه المعطيات كلها تقودنا إلى سؤال أعتقد أنه يشغل بال الكثير من المهتمين، وهو:
أين موقع مؤسساتنا الإنتاجية والخدمية من هذا التطور في المفاهيم والتقنيات العملية؟
وللإجابة عن هذا التساؤل أرى أن المتتبع للأداء الفعلي للمؤسسات الإنتاجية والخدمية في الوطن العربي بوجه عام، والخليجي على وجه الخصوص، يلاحظ أنها على الرغم مما لها من إمكانات فقد تعثر الكثير منها وتخلف عن اللحاق بركب الإنتاج العالمي، وهي بطبيعة الحال أمور لا تبشر بخير، خاصة إذا ما وضعت في الاعتبار توجُّهات العولمة والركود الاقتصادي العالمي والإقليمي، وزيادة العرض على الطلب، وحدَّة المنافسة بين المنشآت المنتجة.
زيف العولمة
* ما مرئيَّاتكم في مسألة العولمة التي اجتاحت العالم أجمع؟
- لقد سبقنا جون جراي في هذا الرأي، فمنذ ما يزيد على قرن من الزمن، وبالتحديد في عام 1884م، نبَّه الداعية الشهير محمد عبده - رحمه الله - إلى خطورة ما يسمى بالمساعدات الغربية للأمم المتأخرة آنذاك، مشيراً إلى أن تلك المساعدات الأجنبية للاقتصاديات المتأخرة تسيء للمتلقي أكثر مما تضيف له.. العولمة حقيقة واقعة.. رياح العولمة جارفة لا محالة.. الكل لا يملك تجاهها سوى الاستسلام.. أصبح العالم قرية واحدة، وغدت الأسواق في العالم سوقاً كونية واحدة تتاح فيها الفرص للجميع بالتساوي.. القطاع الخاص هو الذي يسير العالم ممثلاً بالمنشآت متعددة الجنسيات.
دعني أشرح لكم بشيء من التفصيل مفهومي للعولمة.. فلعل قراءة وفهم العولمة بأبعادها القانونية والاقتصادية والجغرافية، وحقيقة (عولمة العالم) من عدمها، أمر في غاية الأهمية.
العولمة ترجمة للمصطلح الإنجليزي: GLOBALIZATION، وليس كلمة GLOBALISM؛ فالعلومة تعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل، وهي مفهوم لنظام يشير إلى شكل من أشكال التوسع الاقتصادي والثقافي والسياسي، يعني سهولة حركة وانتشار النشاطات خارج الإطار الوطني؛ ليشمل مشاركة العالم أجمع فيه اعتماداً على وسائل عديدة. وبينما يرى البعض العولمة على أنها تنتقص من سيادة الدولة تبدو من وجهة نظر آخرين على أنها تعزز سلطات الدولة من خلال التذرع بالالتزامات والمعايير الدولية لتطبيق سياسات قد تكون غير شعبية.. وهنا قد يتبادر للأذهان تساؤل عمَّنْ صنع ومَن سيصنع العولمة.
والعولمة نتاج لعدة أسباب تراكمية، وهي ليست نتاجاً لمجتمع واحد أو دولة واحدة.. بيد أنه يبدو أن أكثر المجتمعات إفادة من العولمة وأكثرها تأثيراً فيها هي التي تملك العلم بمعارفه ومعلوماته وآلياته التي تمكنها من فرض خصوصياتها وإملاء ثقافتها ورغباتها على الآخرين.
إن أهداف العولمة الاقتصادية غير معلنة وغير محددة.. ومن أهمها في رأيي:
1- رفع القيود أمام حركة تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال.
2- ربط أجزاء العالم اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وإعلامياً.
3- تقريب المسافات عبر تقنية الاتصالات وثورة المعلومات.
4- تسهيل انتقال الأفراد والمؤسسات والمعلومات.
5- فتح الأسواق العالمية وبالذات أسواق الدول النامية أمام منتجات الدول الصناعية.
ظواهر العولمة وتحدياتها
* ما أهم ظواهر العولمة وتحدياتها؟
- نمو حركة التجارة العالمية بمعدلات سنوية تفوق ضعف معدل زيادة الإنتاج الدولي.
- بلغت نسبة الصادرات العالمية إلى الناتج الإجمالي العالمي 20% عام 1996م.
- الاعتماد بشكل رئيسي على منهج اقتصاد السوق الحر FME بدلاً من الاقتصاد الموجه الذي كان يعمل جنباً إلى جنب مع الاقتصاد الحر
- إدارة الاقتصاد العالمي من خلال ثالوث العولمة الاقتصادية الذي يتكون من ثلاثة محاور، هي: المحور النقدي (صندوق النقد الدولي IMF)، المحور المالي (البنك الدولي WB)، المحور التجاري (منظمة التجارة الدولية WTO)، والذي تم التوصل إليه في 15- 12-1993م، ودخل مرحلة التنفيذ في 1-1-1995م.
- زيادة دور القطاع الخاص وتأثيره في الحركة الاقتصادية والتجارية في العالم.
- انحسار تدخل الدول في التجارة والصناعة.
- تركيز السلطة في أيدي المؤسسات الدولية.
- تكريس هيمنة الدول الأكثر تقدماً على الدول النامية.
- استمرار خضوع وتبعية الدول الأفقر للدول الأغنى.
- تحديد فاعلية التقاليد المحلية والثقافات الوطنية.
- التوجيه نحو توحيد الثقافات وأنماط الحياة اليومية وصهرها في نمط واحد لا هوية له.
- تهديد السيادة الوطنية للدول من خلال الهيمنة الجديدة.
- تحرير تنقل رؤوس الأموال.
- الثقافة العالمية الجديدة ترتكز على ما هو محبَّب للنفوس.
- الاستهلاك العالمي للطاقة سيبلغ عام 2020م ضعف الاستهلاك الحاضر.
- زيادة قوة الأسواق المالية في التأثير على الاقتصاديات المحلية على حساب الحكومات.
إن الحديث والحوار مع الدكتور فهد السلطان ممتع ومثير ومفيد.. ولولا خشيتي من أن يملَّ القراء الأكارم لاسترسلت في ذكر كل ما دار بيني وبين ضيفنا العزيز. بيد أنني أَعِدُ بأن أعود لاستكمال ما تبقى من حوار هادف بناء معه في لقاء آخر.
|