ينشد الكل تحقيق مزيد من التقدم والتطور، لكن تكاد الغالبية العظمى عاجزة عن إعطاء تصور واضح لماهيته أو تحديد ملامحه وما ينبغي أن يكون عليه المجتمع بعد أحداث عملية التطور.. وإشكاية أخرى تصور البعض أن مفهوم التطور مفهوم محايد لا علاقة له بالقيم والمبادئ والثوابت فما يصلح لمجتمع في الغرب هو كذلك لآخر في الشرق.
لا شك أن وضوح الرؤية بالنسبة للأهداف القومية أمر حيوي وتصورها تصوراً واضحاً واستيعاب آثارها ونتائجها على الأمة والمجتمع مطلب لا يمكن إغفاله حتى لا يكون السعي سعياً نحو المجهول ولا ندخل في مغامرات الأساطير العربية والتي تحلق في فضاءات المباني لا في حقائق الواقع.
يرى كثيرون التطور في تشييد مبانٍ عالية وأسواق متعددة وتحويل البلد إلى ما يشبه المطار الكبير الذي يضم محلات ومطاعم ومقاه، ويتحول السكان إلى مسافرين ويهاجر أهل البلد إلى حيث يجدون مدينة لا مطاراً ومساكن لا أسواقاً.
ما نحتاجه هو فهم معنى التطور الحقيقي والذي يأخذ في الاعتبار قيم وثوابت المجتمع وينطلق منها بدلاً من مصادمتها وتجاوزها.. والتطور الحقيقي يعنى بالإنسان والارتقاء بمفاهيمه وفق معتقداته وتحسين مستوى معيشته وتوفير مصادر الدخل المتجددة للمجتمع وترسيخ مبادئ العدالة والأخلاق وحب العمل والنظام.. ومن الضروري أثناء عملية التطوير أن لا يشعر المواطن بأنه غريب في بلده ذلك أنه هو المستهدف بهذه العملية وإلا فما الفائدة منها.
ومتى ابتعد التطوير عن ثوابت المجتمع وقيمه بدأ المواطن يشعر بالغربة وربما نفر كلية من الانخراط فيه والاستفادة من ثماره.
ويظهر هنالك الانفصال بين المجتمع وعملية التطوير، والتي تصبح مقصودة لذاتها بغض النظر عن ما يترتب عليها من آثار وعن من يحركها ويستفيد منها. وربما نتج عن ذلك استيراد جميع عناصر التطوير بما فيها الإنسان وما يحمله من مبادئ وقيم تتعارض أحياناً مع ثوابت المجتمع.
ما تسعى إليه مجتمعات الدول النامية سواء كانت غنية أو فقيرة ليس أسطورة تتحدث بها الركبان وإنما تريد واقعاً تعيشه وتتفيأ ظلاله، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان الهدف واضحاً ومرسوماً ومنطلقاً من هموم المجتمع وتطلعاته السليمة. ومتى كان كذلك فإن المواطن سيكون حريصاً على المشاركة في عملية التطوير وسيكون أيضاً المستفيد.
من التصورات السطحية التي كانت سائدة في وقت من الأوقات ولا تزال تعشعش لدى البعض تصور عمليات التطور والتقدم للمجتمعات على أنها نسخ كربونية لأصل واحد ومعاملتها على أنها قطيع يقودها قائد واحد لابد وان تقلده في حركاته وسكناته.
وبالتالي فإن المجتمعات لابد وأن تؤطر داخل الإطار الوحيد لعملية التطوير عوضاً عن تأطيرها ضمن أطر المجتمعات.
إن عملية التطوير عملية تفاعلية بين أطراف متعددة وليست عملية تلقينية يلعب فيها أحد الأطراف دور المدرس والوصي والأخرون دور التلاميذ الذين يجب عليهم الإنصات والقيام بما يطلب منهم بدون مناقشة.
|