بقدر ما تتسع مساحات الفساد، تزداد مناعة النفوس، وتتصلب الأمانات عند الأكثرية مؤكد أن الصواب لا يعرف إلا بوجود الخطأ، فالتصويب لا يتم إلا بعد حصول الأخطاء، وكذلك الأمانة لا تعرف إلا بعد أن يلوح الفاسدون بالرشاوي وغيرها من المسميات التي جملوها فأسموها هدايا وهي محاولة لتدمير ذمم الصالحين!
والمرء المحصن من هجمات المفسدين الذين يعرضون الرشاوي لا يمكن أن يسقط مهما بلغت (الهدية) وليس كما يردد بعض ضعاف النفوس بأن لكل شيء ثمن!! ولقد أثبت مسؤول صحي كبير في وزارة الصحة - لا يريد أن يكشف عن نفسه - من أن الأمانة والوطنية والحفاظ على مصالح المواطنين لا يمكن أن تشترى حتى وان دفع المفسدين ملايين الريالات.
نعم، فقد قدم رجل أعمال يملك مجموعة من الصيدليات عشرة ملايين ريال لهذا المشروع الصحي ليمكنه من تجاوز الأنظمة واللوائح الخاصة بالرخص الطبية
التي وضعتها الدولة حماية لصحة المواطن ولمنع استغلال الرغبة الجارفة في الحفاظ على الصحة بزيادة أسعار الأدوية.
القضية أحبطتها المباحث الإدارية التي تلقت بلاغاً من مسؤول وزارة الصحة الذي تعرض للاغراء وتم ضبط رجل الأعمال الفاسد بالجرم المشهود, والقضية الآن معروضة على الجهات الشرعية والقضائية والأمنية، وسوف تتكشف أبعادها بعد أن ينتهي التحقيق بها ويحكم بها.
وهنا لابد أن يعلن الانسان وخاصة الكاتب فرحته وغبطته لنجاح هذا المسؤول الصحي في تجاوز اغراءات الرشوة، فلم يضعف أمام العشرة ملايين ريال ولم تهتز أمانته ويتراخى ضميره أمام السبعة أصفار التي سبقت الواحد, رغم أن أصحاب النفوس الضعيفة يسقطون أمام ثلاثة أصفار تسبق الواحد، فكم من مرتش باع ضميره مقابل ألف ريال فقط، وتكشف المباحث الإدارية مئات القضايا والرشاوي التي لا تتجاوز الألف ريال، وهو ما يؤكد أن بعض النفوس رخيصة ورخيصة جداً على استعداد للسقوط في وحل الرشوة ونفوس كريمة صعبة المنال لا يمكن شراءها مهما ارتفعت المبالغ.
|