Wednesday 1st September,200411661العددالاربعاء 16 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الفقر الوطني بين سياسة العائل والمعيل وثقافة الاستجداء الفقر الوطني بين سياسة العائل والمعيل وثقافة الاستجداء
محمد بن ناصر الأسمري

وجدت شيئاً من الاطمئنان حين أسند ولي العهد أمر معالجة مشكلة الفقر الوطني إلى وزير العمل الذي بات الآن وزيراً مستقلا للشؤون الاجتماعية، لما اعلمه من أن علي بن إبراهيم النملة هو رجل عصامي شق طريقه في مجال التعلم والدرس والتحصيل، لكن الأكثر دافعية لي أيضا انه كان قال لي في سهرة معه مع الأيتام - ابن شاقي - عامل - امتهن حرفية السباكة، وبالتالي فلا شك أن مذاقات التعب من أجل لقمة العيش قد باتت للرجل ذواقاً، وربما لم يطعم بنيه تلك المذاقات لأن أباهم وزير للعمل سابقاً وما زال وزيرا. هذا الحل يجعلني أشعر بشيء من الرضا والاطمئنان إلى أن بصمة الشعور والمعايشة من السيد الوزير النملة ربما قد يكون لها وقع في نهاية التقرير عن حالة الفقر ربما أساليب التقصي والاستقصاء والتشخيص ثم المعالجة. ولعل للوزير من اسم عائلته نصيب، في الحدب على العمل المتواصل والإنتاج الوفير!
كنت أتطلع كل يوم إلى قرار تشكيل اللجنة الوطنية أو فريق البحث للقيام بالدراسة وإعداد التقرير الشمولي الذي يقف خلف المسببات التي حولت نصف مجتمعنا إلى حالة الإملاق في وقت ما برح بلدنا من أغنى بلاد العالم كله من خلال ثروة عوائد النفط، فإلى وقت ليس ببعيد كنا واهبين ومقرضين، ويبدو أننا بعد عثرات ومتاهات في مفاهيم وسياسات التخطيط الاستراتيجي، وتوظيف أهل الثقة بدل الأكفاء قد دفعنا ثمنا باهظاً ونكاد أن نحول الأغلبية إلى تحت مستوى خط الفقر، وبتنا شبه منقرضين من كثرة الديون والأمراض النفسية من القهر والظلم الاجتماعي الذي مارسه علينا المخططون الذين تغافلوا عن التعامل بصدق مع المعلومات، من خلال الإخفاء والتدليس وإظهار الخداع أن لا خلل لدينا والأمور كلها بيضاء لكنه بياض من الحزن؟ حتى بات ذلك جلياً للعيان على محيَّا ولي العهد الأمير عبدالله وهو يدخل مساكن أشبه ما تكون بالمدافن في أحياء العاصمة الرياض؟
وبين الأمل والرجاء جاء العجب في خبر دعوة الوزير خبيراً دوليا لدراسة الفقر في بلادنا وهو مستشار في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.. ومع كل التقدير لخبرة البرنامج والعاملين في أجهزته، فإن قرار وزير العمل كان في هذا الحال يمكن أن يأتي لاحقا بعد تحديد مواطن الخلل التي قادت إلى الفقر، فحينها يمكن الاستعانة بالخبرة الدولية في الدلالة على مكامن النقص والإسهام في وضع التصور للحلول، وعسى ألا تطبق الأمم المتحدة على حالة وطننا وضع اللاجئين في البرنامج الإنمائي، ها هنا قطعة خبز وكأس ذل يا حقير؟
في ظني أن القرار قد جاء صدمة وربما ازدراءً لمجتمع الأكاديمية والإدارة السعودية التي لم تعد كما كانت قبل نصف قرن، فهل عقمت الجامعات بما فيها من أقسام للعلوم الاجتماعية والإدارية ونظم المعلومات والإحصاء الكمي والتحليلي عن الوفاء بشيء من المشاركة في إثراء المشكلة دراسة وتمحيصاً؟ بل أين بيوت الخبرة المحلية التي بات لبعضها سمة عولمية المشاركة والمشاطرة، ودراسات الضمان الاجتماعي؟ لقد كان قرار وزير العمل متعجلاً وغير عملي، فالخبير - قائد التغيير الخارجي - لن يصل إلى بواطن الأمور وخفايا ملفات التخلف الإداري بمثل الدقة والمصداقية التي يقوم بها من كان في الداخل. خاصة إذا كان ممن يملك تأهيلا معرفيا وشجاعة في قول الحق، هذا ما يقول به العلم في الدراسات البحثية في علوم الإدارة والاتصال والدراسات الاجتماعية سلوكية كانت أم نفسية. لا أريد أن يفهم أن وزير الشؤون الاجتماعية أغفل مبدأ وحدة الأمر في قرار ولي العهد، في شأن تشكيل فريق وطني للقيام بالدراسة، وفي ظني أن الاستعانة بخبرات صحافية من كتاب وأساتذة ذوي خبرة في تلمس احتياجات الناس ومطلب العدالة والاعتدال في وجود دراسة شمولية لإعادة توزيع الثروة البشرية والمالية، مطلب اكثر فائدة ونفعا لمشكلة البطالة والفقر، وذلك من خلال نقل عبء التبعية الاقتصادية التي يتفوق فيها عدد الفقراء ممن هم في حاجة إلى معيل بنسبة قادرة على العاملين القادرين على الإعالة - كما قال إليليا حريق وهي التي تميز مجتمعنا الذي جل أعداده من الشباب المكافحين من اجل التعلم والتدرب في الوقت الذي جل الآباء متعبون من سني العمر، والتقاعد وقلة الدخل في مواجهة متطلبات الحياة اليومية المتعاظمة في ظل ثبات الأجور وانخفاض القيمة الشرائية للريال، وتعاظم احتياجات البنين والبنات في الاعتماد على معيل واحد، وقلة فرص العمل لمن اكمل التعليم صبياناً وصبايا، ثم ضعف القوام والمقام بدنيا وذهنياً عن الوفاء بشيء من المتطلبات والحاجات الأساسية من غذاء وسكن وصحة وتعليم. فقد كبر الأبناء وكبرت احتياجاتهم ومتطلباتهم المادية والفكرية، ولكن ما زالوا معتمدين على عائل واحد، وهذا المعيل قد عيل صبره، وكلَّ جهده، ماديا ومعنويا وبدنيا. ولا غالب إلا الله، لقد شكلت اللجان وصار الركبان وخرجت تصريحات وأعفي أناس بسبب ما قالوا عن رؤية بمنظار مشاهداتهم عن شعاب الفقر وسواحله وواحاته وجباله واطامه وطوامه؛ فإن قيل انهم أقيلوا بسبب الصدق والصراحة دعونا لهم بأن يقيل الله عثراتهم ويقبل ما قالوا به، وندعو لفرق الفقر بالإقلال من قلاقل التموج والتلون، من أجل إرضاء الرؤساء؟! نقدر لوزير الشؤون الاجتماعية جولاته واجتماعه مع أمراء المناطق لبسط الأمور على بساط الأرض والنظر في الأمر، لكن الحال لن يأتي بجديد فربما أن بعض إمارات المناطق قد سعت إلى الإبلاغ عن حالات فقر حادة تحت نظر وبصر الحواضر ومدارات التنمية الحضرية، أما ما كان في مسارح الفقر وأودية البؤس وصحاري الشقاء فالله أعلم بما خفي من أحوالها والأهوال التي يعانيها سكان الكهوف والصنادق حتى في مرابع عواصم ومحاور التنمية في جدة والرياض والدمام. ولذا أجد أن جولات الوزير قد تكون أكثر جدوى وفائدة لو اقترنت بالنزول الميداني مع فريق دراسة معالجة الفقر.
إن الحل في وجود سياسة عدالة اجتماعية تعالج الفقر والعوز ليس فقط للمعدمين والمسحوقين في العشش والصنادق والكهوف وتحت الأشجار، التي نشرت بعض صحفنا على استحياء حالات منتقاة منها، لكنها معبرة، بل إن كل من هم من الموظفين والمتقاعدين الذين تقل معاشاتهم الشهرية عن عشرة آلاف ريال هم واسرهم تحت خط الفقر في ظل تنامي الأسعار والإيجارات، وثبات وتدني القيمة الشرائية للريال مقابل قيم وأثمان السلع والخدمات، ولا اعتقد أن وزارة الشؤون الاجتماعية خلت بالكلية من هذا التفكير، ولا أخال أن مشكلة الفقر طرأت على مجتمعنا خلال العقدين الماضيين بعد أن تم لنا شيء من الرفاهية خلال سني الوفرة المالية، حين كان الحال ممتداً بالنعم إلى قارات العالم عطايا وهبات وقروضا.
وفي ظني أن سبب الانتكاسة لمآل الحال والمال ونشوء الفقر، هو في المقام الأول إهمال التخطيط الشمولي لكثير من مناحي الانشطة فقد باتت وزارة التخطيط على مدى ثلاث خطط أشبه ما تكون بمدرسة للبحوث المكتبية وكتابةأهداف وتمنيات ليس لها جذر كمي يمكن قياسه والحكم على مراحل الانتاج وعوائقها..
وما دام الحديث عن الفقر فإن مقتضى الحال يستدعي وزير الشؤون الاجتماعية ورفاقه العاملين تحت قيادته في ظل توجيه ولي العهد النزول إلى الميدان العملي وتلمس الاحتياجات الملحَّة.. ففي المدن والحواضر دوائر لها أقطار وخطوط تماس من حالات البؤس والفقر مثل التي وقف عليها ولي العهد في أحياء العاصمة الإدارية للوطن والخافي أعظم.. إنني من واجب المسؤولية الفكرية والاجتماعية أقول: إننا بحاجة إلى لجان من خارج كل منطقة لإجراء مسح ميداني على مواقع الفقر الأشد على امتداد الساحل الغربي من حقل حتى الموسم وما بينهما من مرابع الفقر والعوز، وكذلك الحال في الريف من الطائف جنوبا سراة وتهامة حتى القنفذة، وفي الحزام الأوسط من تثليث والوادي وحتى قرى الوشم والرياض وفي مناطق الحدود الشمالية، وكذلك قرى الأحساء بل ومدنها.
وأما السبب في إبعاد إمارات المناطق عن التقرير بشأن ما لديها، فذلك لأن الإمارات فشلت في التقرير من البدايات في الرفع والتخطيط وبالتالي فلا نريد التجمُّل على حساب الحقائق التي باتت مسبة ومظلمة لوطننا وحكومتنا وقبل ذلك لفكرنا ومفكرينا وثقافتنا.
أرغب أن تكون اللجان من أساتذة وموظفين، رجالاً ونساءً تجول الوطن للوقوف على الأوضاع المعيشية والحال للناس في السكن، الطعام، الكساء، الصحة، التعليم، وفرص العمل، أريد مواصفات اللجان في المقام الاول أن تكون من الطبقة المتوسطة في الدخل ومستوى المعيشة، يعرفون معايشة أحوال الناس في المقام الأول و تقوى الله في القول الحق مهما كان مرَّا، فهذه مسؤولية عظمى ألقى بها ولي الأمر إلى الوطن ممثلا في هذ النخب.
إنني أدعو وزير الشؤون الإجتماعية أن يستعين بآراء قادة الرأي والجمعيات السعودية للإدارة والإعلام والعلوم الاجتماعية (جستن) والعلوم النفسية والطبية.. أشارك بهذا زميلي الكاتب بهذه الصحيفة الدكتور صالح بن سبعان في رؤيته، نحن أعلم بفقرنا وعشرة أيام للخبيرالأممي لا تغني ولا يركن إليها ولا نقبلها وأقترح على السيد الوزير دعوة أساتذة الجامعات: الملك فهد، سعود، فيصل، خالد، الطائف، المدينة، القصيم، والإمام والكتاب والشرطة والعاملين في مراكز ابحاث الجريمة ومراكز الايواء والأحداث للتدارس وتبادل الأفكار والرؤى تمهيدا لوضع الأسس الاستراتيجية لمعالجة الفقر وليكن شعارنا (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) قبل أن يقتلنا، ولو كان أمرأة لغرت عليها وأحصنتها من الذل والامتهان بكل صنوفه وألوانه، من قهر وخوف على النفس والأولاد، فالجوع كافر ومتطرف وإرهابي فكريا ونفسيا وبدنياً وعقليا، إن وجود أناسي في سكن حقير يضيق بأنفاس المتراكمين فيه، المعتاشين على فتات الصدقات ونشوة القهر، والذل كفيل بإخراج علل وأمراض وأعراض، ليس اقلها الانتقام والإرهاب والتفجير والتكفير.
لا نريد الاتكال على سياسة الصدقات والتبرعات وجود الخيّرين، وزكاة أموال التجار والأغنياء، فهذا استجداء لن يرفع فقراً ولا قترا، نريد سياسة إغناء وكفاف عن ذل السؤال والفقر، كل الشكر والتقدير لمن تبرعوا لإنشاء مساكن في بعض المدن والقرى الموغلة في الفقر، لكن نريد أن تكون هذه عونا رديفاً لسياسة دولة وبرامج حكومية.

باحث ومستشار إعلامي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved