Wednesday 1st September,200411661العددالاربعاء 16 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مركاز مركاز
تجربة الكتابة - 2
حسين علي حسين

حتى هذه المرحلة من العمر لم أكن قد أمسكت بالقلم للكتابة، بل انني لم أفكر أصلاً في ذلك، وإذا فكرت لم يكن في ذهني لون من الألوان الأدبية، كانت الرؤية غائمة، باستثناء أن أدرس المسرح أو النقد، ولم أحقق للأسف ما أريد، بل انني لم أدخل الجامعة اصلاً، لسبب أو أسباب يطول شرحها، لكن ليس من بينها أنني كنت تلميذاً خائباً أو خاملاً، بدليل أن زملاء اقل مني استطاعوا ببركة دعاء الوالدين وبالقليل من الصبر والجهد، أن يكونوا من خريجي الجامعة، في العديد من التخصصات التي تضمن لكل منهم دخلاً محترماً ووظيفة بارزة!
هذه القراءات المتنوعة في المسرح والنقد والرواية والقصة القصيرة والتاريخ وعلم الاجتماع والفلسفة، تتمحور في داخلي، ومن واقع العزلة الاجتماعية، التي كنت ألجأ إليها طائعاً مختاراً مع الكتب، بدأت الكتابة، وأرسلت ما كتبته فوراً إلى صحيفة المدينة، وقد كانت السعادة لا حد لها في نفسي، عندما رأيت ما بعثت به بواسطة البريد منشوراً ومعه صورتي اياها!
كانت هناك العديد من الأصوات الجديدة في القصة والنقد، قد بدأت تأخذ وضعها في صفحة الأدب بجريدة المدينة، منها سليمان سندي وعبدالله السالمي وأنور عبدالمجيد وفهد الخليوي وعبدالله باخشوين وعبدالله بامجرز، وكان هناك نقاد مثل شاكر النابلسي ومشعل السديري، لكن ما كان يشدني أكثر هو الدراسات التي ينشرها شاكر النابلسي عن المعمار الفني في القصة السعودية، ومقالات مشعل السديري عن اللامنتمي، هذه الحركة الثقافية الجديدة كانت دافعاً لكي ألعب كثيراً على الورق، فأصبحت لا أنتهي من كتابة قصة حتى أشرع في كتابة قصة جديدة، بل ان الوهم وربما المراهقة، هيآ لي بأنني ربما اصبح روائياً كبيراً في سنوات، والحمد لله أنني قنعت بالقصة، ومن يدري، فربما كنت سقطت على رأسي أو ذراعي، فأنطفئ من لحظتي كما حصل لعشرات من رفاق القصة القصيرة، فبعضهم كتب قصة واحدة، وبعضهم كتب أكثر من قصة، ثم توقفوا تماماً!!
لقد ملكت فضيلة التواضع والصبر مبكراً، فأصبحت أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، وبين كل خطوة وخطوة كنت اقبل على القراءة، المزيد من القراءة والقليل من الكتابة، ذلك جعلني أطمئن بأن ما أكتبه قابل للنشر على الأقل، كنت أكتب لأن ذلك يدخل السعادة والطمأنينة إلى نفسي، فقد وجدت أن الكتابة مثل الحبوب المهدئة أو الماء الزلال، لذيذة ومنعشة، لكنك لا تدرك ذلك إلا عندما تتم مشروعاً ثقافياً، قصة أو مقالة أو رواية!
كان العام 1389هـ (1969م) بداية دخولي إلى عالم الكتابة القصصية، فقد نشر سباعي عثمان أول نصوصي باحتفاء، جعلني أقبل بحماس على قراءة القصة القصيرة والرواية، من هنا بدأت التجربة، وما زلت في داخلها، أتوقف كثيراً وأكتب قليلاً، هذا أراحني، وجعلني قريباً من الكتابة أكثر من قربي من القلم، وما زاد الأمر حسناً، بعدي عن الصحف والمجلات، وعن تجمعات الأدباء والكُتَّاب، كنت في محيط شبه أمي، محيط يحتفي فيه الناس بمن يقرأ الرسالة أو يصعد إلى المنبر في المناسبات الدينية، ليلقي حكماً ومواعظ حفظها عن ظهر قلب، أو يلقي محترفٌ آخر فصولاً من حمزة البهلوان والزير سالم وذات الهمة، يلقيها عن ظهر قلب وحوله يصطف الرجال أمامهم سماور الشاي وفي أيديهم ليات شيشة النبغ، وكلما جاء موقف حاسم في الرواية ارتفعت الأصوات استحساناً أو استهجاناً لموقف يمس بطلاً أو بطلة في رواية من تلك الروايات.. هذه أمور كانت تلهب المخيلة، لكن ما كان يلهبها أكثر ارتياد الأسواق، وبالذات تلك التي تأخذ صفة الاحتفالية مثل حراج الغنم أو ليلة العيد أو ليلة النصف من شعبان أو عصاري رمضان، مثل هذه الأسواق التي كنت أغشاها صغيراً ومراهقاً، كانت تولد الحماس في داخلي لعمل شيء، أي شيء يعيد التوازن إلى نفسي المتأرجحة بين الطوابع والمراسلة والمناظر.. حبست نفسي طويلا بعد بدء الكتابة، لكنني كنت أحترق لمشاهدة هذه الأصوات الجديدة، التي تكتب النقد والقصة القصيرة، ولم تهدأ نفسي حتى اتجهت ذات صباح إلى مواقف سيارات الأجرة في الباب الشامي، من هناك انطلقت خارج حدود المدينة، لتتوثق صداقتي أو معرفتي فوراً بمن رأيت أنهم الاقرب إليَّ، مثل عبدالله الجفري وسباعي عثمان وشاكر النابلسي وعبدالله باخشوين وفهد الخليوي، كان تجوالي في جدة القديمة ومقاهيها لا ينقطع، وكانت حواراتي وسهراتي مع هؤلاء الأصدقاء كذلك، تلك الرحلة علمتني الاقبال على تبادل الكتب وأشرطة فيروز وسيد مكاوي التي كان يسجلها لنا محل مختص يبيع الاسطوانات في شارع الملك عبدالعزيز، حيث قريباً منه يربض كازينو الشاطئ وعلى بعد خطوات عيادة الدكتور عبدالله مناع، الذي زرته مع تلميذه وصديقه عبدالله باخشوين، وكان تكراره الحديث عن عبدالوهاب وأم كلثوم وأحمد رامي سبباً في أن أضمهما إلى فيروز وسيد مكاوي. لقد كان عبدالله مناع وما يزال قامة كبيرة، ترسخ عندي هذا الانطباع من أول مقابلة، وهي مقابلة ربما لا يتذكرها الدكتور المناع وإن كان بالتأكيد يتذكر عبدالله باخشوين جيداً، حاضراً وغائباً!
لا أدري لماذا عنَّ لي نشر مثل هذه الخواطر الآن؟!.. عفواً!!

فاكس : 014533173


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved