Tuesday 31th August,200411660العددالثلاثاء 15 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

المواطن ومستقبل المشاركة في العمل البلدي المواطن ومستقبل المشاركة في العمل البلدي

ما أثار مكامني لكتابة هذه السطور (إعجابي) الكبير بما يطرح على صفحات هذه (العزيزة) مع إشراقة كل يوم، وأقصد ذلك المنبر الإعلامي المتميز الذي صنعته صفحة عزيزتي الجزيرة لصوت المواطن وتفاعله مع القضايا التي تهم المجتمع بشكل عام وتلك التي تعني بالقضايا البلدية بشكل خاص، وسعادتي غامرة بتجاوب وتفاعل الطرف الآخر من الجهات ذات العلاقة، ففي الوقت الذي يطرح المواطن اقتراحه هنا حول خدمة ما نجد صوت المسؤول يأتي بصدى يحتضن ذلك الصوت في منظومة تفاعلية فتحت قناة ملائمة لمشاركة المواطن في وضع الرؤى وطرح المقترحات تجاه ما يهم قضاياه وهمومه اليومية، وإذا كان منبر العزيزة قد نجح في خلق هذه التجربة الإعلامية المميزة فهذا يقودنا لتناول أمر هام جدا وهو مستقبل العلاقة بين المواطن والبلدية وكيف يمكن أن تطور مشاركة المواطن في دعم العمل البلدي بصورة فاعلة تحقق المصلحة العامة، وتوسيع دائرة مشاركته في إدارة شؤونه المحلية خاصة ونحن نترقب خوض تجربة جديدة وهامة في مسيرة العمل البلدي متمثلة في المجالس البلدية التي نعلق عليها جميعا آمالا طموحة لمستقبل أكثر إشراقا والتي تعتبر أداة تنظيمية فاعلة لإشراك المواطن في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالقضايا البلدية التي ترتبط بحياته اليومية وترنو إلى توسيع المشاركة الشعبية التي بدأت في المملكة منذ عام 1384هـ عندما أقر أول مجلس بلدي منتخب.
يقول المؤلف (إرنست آر - أسكندر) في كتابه approaches to planning للمترجم الدكتور فيصل المبارك (يقصد بالمشاركة العامة Public participation التفاعل المباشر والذي ينطوي على تطوير ومراجعة والتزام بتطبيق للخطط والمقترحات من قبل المخططين والمسؤولين وجميع الفئات التي ستتأثر بها.. ويقول إن فكرة المشاركة العامة تعرف أيضا بمشاركة المواطن citizen participation حسب التوجه الإيدلوجي للفرد في عدد من الأغراض التي تختلف بحسب وجهات النظر).
وهذا يدفع بنا إلى أن ندرك أهمية تولد المعرفة لدى العناصر المرشحة لعضوية المجالس البلدية لأننا وفي الوقت الراهن لا يمكننا أن نجزم بأن هؤلاء الأعضاء في موقف يمكنهم من معرفة المشكلات البلدية ومعالجتها وفق منهجية عقلانية بسبب عدم اشتراك الأغلبية في الممارسة العملية والتطبيقية، إلا أن لائحة المجالس البلدية التي أقرت مؤخرا سوف تساهم بشكل فاعل في منحهم مساحة لمعرفة الأدوار المناطة بهم، ومن الأهمية أن يستشعر المجتمع ناخبين ومرشحين الدور الفاعل للمجالس البلدية ودورها في الارتقاء بتطوير العمل البلدي ومساهمتها في دعم تطبيق اللامركزية وتطوير الإدارة المحلية.
ومن خلال استعراضنا لمواد لائحة المجالس البلدية نستشف حجم العمل الكبير والجهد الجبار الذي بذل في إقرارها بهذه الصورة الفاعلة والتي يتضح أنها اعتمدت على خبرات نخبة من المؤهلين وذوي التجربة في إعدادها وكانت نتاجا لدراسات عدة استقيت من واقع المجتمع المحلي مستفيدة من تجارب العديد من الدول التي سبقت في هذا المجال مما أكسب هذه اللائحة القدرة الكبيرة على احتواء جميع الأطر المنظمة لآلية انتخابات المجالس البلدية وصياغتها في قالب تنظيمي فاعل.
لذا فالمجتمع مطالب باستيعاب الدور الذي يقوم عليه التمثيل البلدي والمشاركة في التطوير للمدينة المعنية لتحقيق المصلحة العامة the public interest تلك المصلحة التي يتبادر إلى الأذهان أن تحديد مفهومها هو أمر واضح ويمكن تحديده بسهولة بينما تجمع الكثير من دراسات الباحثين والممارسين للإدارة المحلية أن الوصول إلى مفهوم محدد للمصلحة العامة هو أمر معقد وغامض في كثير من الأحيان، وثمة إشكالية كبيرة في تناول هذا المفهوم على محمل القرارات المتخذة، وإن كنا نستطيع أن نضع إطارا عاماً لتحديد ماهية المصلحة العامة مثل القول بأنها (صلاح الفرد والمجتمع وإذا تعارض مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة قدمت مصلحة الجماعة لأنها المصلحة العامة) إلا أن الجزم بها يظل أمرا صعبا ويحتاج الكثير من المداولة.
وإذا ما خضنا في إطار اتخاذ القرارات الخاصة بالقضايا البلدية فإنه يمكننا القول إن فلسفة تحديد القرار (المسار) الأفضل يعتمد على تحديد المصلحة العامة ولكنها تبقى مسألة احتمالية تبنى على خبرات ومعرفة وتنبؤات وتوقعات عدة ولا يمكن الجزم بأن هذا المسار أو ذاك هو الذي يمثل مصلحة المدينة في ظل الفرص المتساوية لمناقشة جميع الفرضيات المطروحة على ساحة الحوار الموضوعي وهذا يؤكد علىأهمية تناول جميع الأدوات الملائمة للقياس التي يمكن من خلالها لأعضاء المجلس البلدي والبلدية تقييم القرار الأنسب والمتخذ للمصلحة العامة وفق منهجية علمية ومنظور عقلاني تحدده الغايات والقيم التي يؤمن بها الأعضاء وما يتمتعون به من أخلاقيات المهنة مما يتطلب توافر (ثقافة المشاركة) في العضو المنتمي لهذا المجلس، حيث إنه يمكن الأخذ بمفاتيح التطوير والتكامل وفق أساليب حديثة ومبدعة وبروح فريق العمل الواحد.
إن المجالس البلدية تتيح الفرصة للمواطن في تقمص وممارسة أدوار المسؤولية في إدارة المدينة وملامسة التحديات التي تواجهها البلديات واستشعارها لاسيما في ظل اتساع الرقعة العمرانية والنمو المتزايد للسكان والتنوع في احتياجات الخدمات البلدية وتطور نمط تقديم الخدمة، وهذا الأمر يساهم مساهمة فاعلة في فهم العلاقة بين البلدية والمجتمع بصورة أكثر استيعابا.
والمجالس البلدية تجربة غنية واختبار حقيقي لمدى استعداد المواطن السعودي لتفعيل فكرة الانتخابات والترشيح والتعامل معها ونجاح مثل هذه التجربة سيفضي إلى تجارب أخرى مماثلة وعلى مستويات تشريعية مختلفة إذا ما عرفنا أن نتعامل معها بصورة فاعلة مستفيدين من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار وعرفنا ماذا سيقدمه هؤلاء المرشحون من عمل يساهم في تطوير الخدمة البلدية التي تستهدف المواطن بالدرجة الأولى، فكثير من الدراسات والبحوث التي تناولت تجارب المجالس البلدية في كثير من الدول أشارت إلى أن أهم عوامل نجاح تلك المجالس تتمثل في الانسجام بين الأطراف المعنية، واستيعاب الأنظمة والقوانين والخبرة، والتأهيل العلمي والعملي للمشاركين، وروح التعاون البناء، والثقة، واتباع المنهج المنطقي في التخطيط واتخاذ القرار، ونبذ المصالح الفردية، والحوار الهادف، والنقد الموضوعي وهذه الحقائق تقودنا إلى أن نستشعر أهمية الأخذ بهذه الأسباب حتى نضمن نسبة جيدة من النجاح الذي يهدف إليه العمل بالمجالس البلدية بأسلوب إداري متطور وحديث ويجب أن نؤمن بالتنوع في الأفكار المطروحة ومناقشتها، والإتقان، والمهارة كعناصر تضع الإبداع على أرض الواقع وتقود إلى التميز الذي تنشده إدارة المدينة من المشاركين وأن لا تقتصر مشاركتهم على مجرد التمثيل وإبداء الرأي فقط.
إن تطوير العمل البلدي بأساليب الإدارة المحلية بدأ يأخذ مساحة كبيرة في مسيرة التنمية الشاملة في المملكة وأصبح مطلبا ملحا لضمان دفع عمليات التنمية العمرانية بصورها وأشكالها المختلفة من خلال مشاركة فاعلة للمجموعات السكانية المستهدفة بهذه التنمية وهذا يتطلب أيضا أن يكون لدى هذه المجموعات إلمام كبير بطبيعة المنظومة العملية للبلديات والمعرفة بسياسات التنمية العمرانية بمنظور شامل ومستقبلي ينبثق من التشريعات التي رسمتها خطط التنمية الخمسية واستراتيجية التنمية العمرانية واستراتيجيات المناطق وغيرها من التشريعات التي تعني بتوجيه وترشيد وضبط التنمية العمرانية كإطار إرشادي طويل المدى يحقق التوازن المكاني ويعزز الترابط الوظيفي بين الحيزات المكانية والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
إذاً يجدر بنا أن نعي أن إدارة المدينة هي عملية ديناميكية معقدة التركيب بسبب ارتباطها بدائرة متكاملة للجوانب الحياتية التي تؤخذ دائما بعين الاعتبار عند وضع الخطط أو اتخاذ القرارات وهذا ما يتطلب الأخذ بأسلوب العمل المشترك والذي يوفر مستوى عالياً من المهارة والتنسيق والقدرة على التنبؤ.
فإدارة المدن على مستوى العالم أصبحت الآن تمر بمراحل متطورة ومتجددة تتناسب مع المتغيرات العصرية التي تؤثر على مجتمع المدينة والكثير من مدن العالم نجحت في تحقيق مستويات عالية من التطوير بفضل ثمرة (التعاون والجهود المشتركة) بين جميع المنتمين لمجتمع هذه المدن والمتتبع للقائمة السنوية حول (أفضل مدن العالم) والتي تعدها مؤسسة (ميرسر هيومان) البريطانية في لندن يجد أن مقاييس الأفضلية اعتمدت على عناصر (طيب الإقامة وتوافر الخدمات الضرورية للحياة) والذي يتطلب تحقيقها العمل على مستوى عال من الشمولية والترابط وتبني فلسفة تطويرية مشتركة ذات أبعاد مستقبلية حقيقية تمنح المدينة فرصة تقديم مكان صالح للعيش، ولو تتبعنا منظومة وأساليب التطوير في مدينتي (زيورخ) و(جنيف) السويسريتين فلن نستغرب إطلاقا تربعهما على قائمة أفضل مدن العالم في التصنيف الأخير بفضل عدة جوانب يأتي في مقدمتها تعاون مجتمع المدينة مع إدارتها بروح العمل المشترك والذي بدوره كان عاملا هاما لرفع درجة الانتماء بين المواطن ومدينته.
إن لدينا مساحة كبيرة جدا من التفاؤل بمستقبل مشاركة المواطن في إدارة الشؤون المحلية للعمل البلدي يمنحنا إياها واقع التجربة الفريدة والمميزة لمسيرة التنمية العمرانية في المملكة وما لدينا من خطط تنموية طموحة وضعتنا في المسار الصحيح نحو مستقبل مشرق يوفر رغد العيش والرفاهية لمواطن هذا البلد المعطاء، ذلك المواطن الذي بات يجسد دعامة حقيقية لمسيرة التنمية والعطاء في ظل ما تلقاه الأجهزة البلدية من دعم سخي وغير محدود من لدن المسؤولين وولاة الأمر حفظهم الله وما يبذل من جهد جبار وعمل دؤوب، أعطى مثالا يحتذى به في منظومة العمل الجاد والهادف الساعي للارتقاء بمستوى البيئة العمرانية ذلك الحيز المكاني الذي تمارس فيه جميع الأنشطة الحياتية.
وما بذل ويبذل من قبل الدولة حفظها الله يحملنا جميعا - كمجتمع المدينة - مسؤولية مضاعفة للعمل والتفاعل مع هذه المسيرة التنموية الغنية ورفع مستوى الانتماء تجاه مدننا وذلك بأن يكون مجتمع المدينة في مستوى التطلعات للمشاركة الفاعلة والجادة تجاه ممارسة أدوار المسؤولية في إدارة مجتمعهم العمراني المحلي واستشعار المواطنة الحقة نحو المضي قدما في طريق التطوير الذي نسعى من أجله دوماً.

م. بدر بن ناصر الحمدان
مهندس تخطيط - رئيس بلدية روضة سدير
BADR888@HOTMAIL.COM


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved