لا ندري.. ماذا نسمِّيه.. هل هو المجاملات.. أم القيام بالواجب.. أم المداهنة.. أم المنافقة.. أم أنه شيء آخر (ما يِنْقال) إلا في الاستراحات والمجالس؟
** تلك التهاني.. التي تُنشر.. أو تُرسل من خلال الرسائل كتهنئة لشخص أو موظف رُقِّي من مرتبة إلى مرتبة.. أو عُيِّن في موقع وظيفي معيّن.
** الشيء اللافت للنظر مثلاً.. أنه عندما يُرقى شخص حتى للمرتبة العاشرة.. فإنه تنهال عليه التهاني والتبريكات.. بشرط أن يكون في موقع وظيفي يحتاج إليه الناس.
** أما عندما يكون في موقع وظيفي بعيد عن احتياجات الناس.. فإنه لن يحصل على تهنئة، ولو من أقرب الناس إليه.. حتى لو رُقِّي للخامسة عشرة أو أكثر؛ لأن الناس لا تحتاج إليه.
** وهكذا.. عندما يُرقَّى شخص في موقع يحتاج إليه الناس.. تنهال عليه فوق التهاني.. العزائم.. فالكلّ يصرّ على تكريمه وعزيمته.. والكلّ يقول فيه القصائد والمدائح.. والكلّ يبحث عن لقاء معه.. مع أنه قد لا يتجاوز المرتبة الحادية عشرة أو الثانية عشرة.
** غير أننا نقول: ما دام هذا الإنسان كريماً شهماً.. فهو يستحق التكريم.. ويستحق التهنئة.. ويستحق التقدير.. ولكن المشكلة.. لو كان غير ذلك؟
** فالمسئول الذي يحترم الناس ويساعدهم ويقف معهم ويتحسّس احتياجاتهم وأوجاعهم.. ويصغي لمطالبهم.
** والمسئول الذي هو قريب من الناس ويتواضع ويتنازل لأصغر الناس.. يستحق بالفعل.. التكريم والاحتفاء والاهتمام.
** أما ذلك المسئول.. الذي ظنّ أن وظيفته هي الكبر والغطرسة وتعقيد أمور عباد الله.. والصلف عليهم والعنف.. وشين (النْفِيْسِه) فهذا لا يستحق أي شيء.. وحتى كلمة (قَطْعا) - تِخِبْ - عليه.
** الشخص الكريم الشهم.. صاحب المروءة.. والرجل الذي يحسّ الناس أنه قريب منهم.. يستحق كلّ ما يقال فيه من تهانٍ ومديح.. وكلام في المجالس.
** وهكذا رجل الأعمال أو الثري.. الذي يعرف حق المال.. فيتصدّق ويزكِّي ويساعد هذا.. ويساند ذاك.. ويتبرّع، ويبني المساجد، ويدعم الجمعيات الخيرية.. ويتواصل مع الناس والمجتمع.. ويسهم هنا.. ويسهم هناك.. فهو يستحق أيضاً.. التكريم والاحتفاء والمديح والثناء.
** أما ذلك الرجل الغنيّ.. البخيل الشحيح المقتر.. الذي يجزم أن المال له وحده وليس حتى لأقرب الناس إليه حق فيه.
** وذلك البخيل الذي يطرد أقاربه، ولا يعطيهم حتى من زكاة ماله.. فهو لا يستحق حتى السلام عليه.. بل تجد الكلّ يكرهه.. وليس له أيّ محبّ حتى من أولاده.
** وكثير من الناس.. تجده يملك أموالاً طائلة و(يخابط ويلابط) بالملايين هنا وهناك و(داشر كلاب) - كما يقول العوام - وأقرب الناس إليه.. يشتكي عوزاً.
** وأعرف أثرياء ثراءً فاحشاً.. وأشقاؤهم يعملون سائقين ومعقبين وفراشين وفي وظائف بسيطة للغاية.. ويكابدون من أجل لقمة العيش مكابدة.
** وأعرف.. أناساً أمورهم المالية (مستورة) ويساعدون هذا.. ويدعمون الآخر.. ويتحسّسون أحوال أقاربهم.. ويتبرّعون، ويزكّون، ويتصدّقون، ويبذلون في كلّ ميدان.
** وهناك أناس إبوابهم مفتوحة.. ومجالسهم مفتوحة.. و(صماط) العشاء يُمدّ يومياً للأصدقاء والأقارب والمعارف ودخان (المشب) يْعَثْوِرْ - كما يقول العوام - وتشمّ رائحة (السَّمِرْ)، والكمبودي من مسافة كيلو - كما يقال -.
** وهناك أناس يملكون الملايين.. وقصورهم مظلمة.. والقطط تتسابق على أسوار قصورهم.. وحتى برميل القمامة.. لا يوجد أمام منزله.
** أعود وأقول: إن المسئول الشهم.. صاحب المروءة.. الذي يحترم الناس ويتحسّس مشاكلهم.. والمسئول القريب من الناس تجد الجميع يحبّه.. ويحترمه.. ويقدّره.. حتى إذا ما ترك الموقع لأيّ سبب.. أُصيب الجميع بخيبة أمل.. وضاقت الدنيا عليهم.. وأصيبوا بضيق ونكد.. وكأنه واحد منهم.. بعكس.. ذلك المسئول المتغطرس.. البعيد عن الناس و(اللِّي شايف نفسه.. وهو يِسْوى التّالية من الغنم) فيما لو ترك موقعه.. فإن الناس تفرح.. ويستبشرون بذلك..
وهناك من يقول: (جعلها رُوحَة جَدِّي). وصدق الشاعر الذي قال:
أنشد عن اللِّي يكسبون النواميس
وإلاَّ الرخوم تموت محدٍ فقدها |
|