أعتقد أنه لو حصلت مفاضلة بين جميع الدول العربية في الجوانب السياحية، فلن تكون (مصر) إلا الأوفر حظاً بصفة دائمة، من خلال توافر المقومات السياحية الغنية فيها، لكل الأذواق والأطياف السائحة.
ومع أن زيارتي لها، في الأسابيع الماضية، هي الزيارة التاسعة أو العاشرة، بداية من عام 1380هـ وحتى الآن.. إلا أنها.. ورغم قصرها.. قد أمدتني بانطباعات إيجابية جديدة - ربما السبب طول غيابي عنها بضع سنين - وربما تكون هذه الانطباعات موجودة لدى الكثيرين ممن تهمهم الظواهر الجديدة والجيدة.. في الأنساق الاجتماعية في أي بلدٍ يَحلُّون به.
***
حسبي هنا أن أتحدث إلى من كان مثلي بعيد العهد بالقاهرة - ولو نسبياً - عن عدة ظواهر ما كنت أعهدها في مصر بالقدر الثري الذي هي عليه الآن..!
1- ظاهرة الحجاب:
قبل عقدين أو ثلاثة عقود من السنين ما كنا نشاهد المرأة المحجبة في شوارع القاهرة، وميادينها، ومحلاتها.. إلا في القليل النادر.. أما اليوم فالعكس هو الصحيح.. فغير المحجبة هي القلة والنشاز عن القاعدة العريضة للحياة النسوية في مصر.
إنها ظاهرة حميدة تُبشر بخير للمرأة المسلمة في العالم العربي والإسلامي، حتى وإن وُجد ما يناقضها في بعض الفضائيات العربية (الفاسدة).
ما سبب هذه الظاهرة؟
في اعتقادي أنها تفاعل انصهاري للدعوة الإسلامية التي تجرد لها العلماء الربانيون والدعاة المخلصون في وسائل الإعلام، وبخاصة منها الفضائيات، هذا سبب أول. والسبب الثاني: أنها ردة فعل على الحملات الموجهة من العلمانيين والليبراليين الذين آذوا مشاعر المرأة المسلمة بدعوتها للتفلت مما أوجب الله عليها الالتزام به.. ومن ضمن ذلك قضية الحجاب.. (من قاسم أمين حتى نوال السعداوي)، ودعاة التغريب ينفخون.. ولكن في قِرَبٍ مثقوبة.
لقد أصبح ارتداء الحجاب ظاهرة بارزة في جميع البلاد العربية والإسلامية، ليس بالنسبة للمسلمات فحسب.. بل حتى غير المسلمات اصبحن يحترمن مشاعر المسلمين ما دُمْنَ في بلادهم - على الأقل - فلا يتبرجن كما كنَّ يفعلن في نهاية القرن المنصرم.
***
إنها ظاهرة من ظواهر العودة إلى الله والاستقامة على دينه، ظاهرة سائرة في طريق التصحيح تجاه ما شوه به أعداء الإسلام قيم هذا الدين ومُثُلَه وأخلاقه {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} سورة الصف الآية (8).
***
2- ظاهرة تثقيف البيت المصري!
احتفلت مصر هذا العام بمرور عشر سنوات على مشروع (مكتبة الأسرة) الذي تبنته السيدة سوزان زوجة الرئيس حسني مبارك.. والذي قدّم (أكثر من عشرة ملايين كتاب موجودة الآن في كل بيت مصري) حسبما ذكر الدكتور سمير سرحان في مقدمته لكتاب (الإسلام وأزمة العصر) لليهودي الصهيوني (برنار لويس) ترجمة أحمد هيكل.. لويس هذا هو أحد المستشارين في البيت الأبيض.. الذي يملي على الحكومة الأمريكية آراءه الخبيثة في الإسلام، ويأخذه الرئيس بوش وإدارته بالقبول والتسليم..!
هذا الكتاب وآلاف الكتب الأخرى من مشروع (مكتبة الأسرة) يباع بأقل من سعر التكلفة (150) قرشا، أي اقل من ريال واحد.. إنه عمل تيسيري لذوي الدخل المحدود وغير المحدود، ولا شك أنه جهد مميز من الحكومة لتنوير الشعب المصري وتثقيفه، ولا يختص هذا المشروع بنوع معين من الثقافة.
3- الظاهرة القديمة المتجددة!
ظاهرة اللطف والوداعة والتعاون - دون تعصب ولا تقطيب - وتظهر هذه السمة أكثر ما تظهر في اكتظاظ شوارع القاهرة وميادينها بملايين السيارات وبزوغانها زوغان الثعالب، يمنة ويسرة! دون تعصب من داخل أو مدخول عليه، كما هو حال الكثيرين منا.. وأعجب من ذلك أنني وغيري لم نشهد أية ملامسة بين سيارتين.. أو ملاسنة بين سائقين.. أو وقوع أية حادثة مرورية على مدى أسابيع حاولت أن أشهد فيها أي حادث في هذا الزحام المرعب.. ولم أجد.
لماذا لا يكون عندنا (نصف) هذا الانضباط لسلامة الأرواح والمركبات..؟!
مجمع الأدباء.. أثر بعد عين..!
دعاني الدكتور محمد شومان إلى تناول الشاي في (مقهى الفيشاوي)، حيث كان يجتمع فيه - سابقاً - عدد من كبار أدباء مصر.. ومن آخرهم نجيب محفوظ.. فذهبنا إليه نحن والأستاذ ماجد الحجيلان المذيع المعروف في (الاخبارية)، فوجدنا المقهى الأصيل تَنْعَبُ فيه عشراتٌ من صور الأدباء المصريين الكبار على جدرانه.. من طه حسين إلى أمل دنقل!.
أما أرضه فقد تحولت إلى دكاكين ومعارض.. إلا أن بجواره ما يشبه الشارع المسدود.. يتجمع فيه عدد كبير من الأدباء الشباب والإعلاميين.. وهو الذي تناولنا فيه الشاي وغادرناه سريعاً ولسان حالنا ينشد:
كأنه لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
ولكن ما عوضني عن أجداب (مقهى الفيشاوي) اللقاءات والزيارات التي تمت مع مجموعة من الأدباء الكهول والشيوخ الذين أسعدونا بالزيارة في مسكننا وسعدنا بزيارة بعضهم في مساكنهم.. بارك الله لهم وفيهم.. وأبقى الصلة والصداقة بيننا قائمة..
|