Tuesday 31th August,200411660العددالثلاثاء 15 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مبدأ مساواة المواطنين مبدأ مساواة المواطنين
عبد الله بن راشد السنيدي

هذا المبدأ قبل أن يرد في المبادىء الحقوقية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948م وفي المواثيق الدولية كميثاق الأمم المتحدة الذي صدر قبل ذلك بثلاث سنوات، حيث تضمن كل من مبدأ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة التأكيد على حرية الإنسان وإعمال مبدأ المساواة بين الناس وأنه ينبغي ألا يؤثر على ذلك لون الإنسان أو دينه أو جنسه.. نقول إن مبدأ المساواة بين مواطني أي دولة قبل أن يرد في مبدأ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة المُعاصِرَين وقبل أن تعترف به الدول الحالية وبالذات الدول المتقدمة، فقد ورد في الشريعة الإسلامية قبل ما يزيد عن أربعة عشر، قرناً فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى بسبب العنصر أو اللون أو الجنس بل جاء ليقرر المساواة بين البشر وأنه لا يوجد أي معيار للتفرقة عند الله عز وجل سوى ما لدى المسلم من رصيد من تقوى الله ومخافته {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.. كما أوردت السنة الشريفة العديد من الأحاديث التي تحث على هذا المبدأ ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفة في حجة الوداع في السنة التاسعة من الهجرة (يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا وبلدكم هذا وشهركم هذا لا فرق لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى)، وقوله عليه الصلاة والسلام (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه جزء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقوله الكريم (المسلمون كأسنان المشط الواحد) ومبدأ المساواة حسب المفهوم الإسلامي ومفهوم المبادىء والمواثيق المعاصرة يعني المساواة بين سائر مواطني الدولة في الحقوق ومن ذلك:
- الحرية الشخصية التي لا تتعارض مع النظام العام المطبق في المجتمع فالإنسان له حق التملك والبيع والشراء والزواج والسكن والسفر والتقاضي والعمل وسرية المراسلات وحرية العقيدة إلا أن ذلك مقيد بما يحكم المجتمع في هذه الحقوق.
- إبدأء الرأي السديد الذي يساهم في خدمة المصلحة العامة وليس من أجل تحقيق المصلحة الخاصة أو إثارة النعرات والفتن.
- تولي الوظائف العامة وذلك في حدود الشروط والضوابط والمؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظائف وهذا الحق يقضي بأنه لا فرق بين مواطن وآخر في شغل الوظيفة العامة سوى ما يفوق أحدهما الآخر في المؤهلات أو الحصول على درجات أعلى في المعيار الذي يُوضع لاختيار الشخص المناسب والأكفأ لشغل هذه الوظيفة.
- التلعيم ويعني تساوي جميع أبناء وبنات الوطن في تلقي التعليم المجاني في المدارس الحكومية من دون تمييز.
- العلاج ويعني استفادة كل مواطن من الخدمة الصحية المجانية التي تقدمها الدولة.
- استفادة الجميع من المرافق العامة سواء من حيث الخدمة المُقدَّمة أو المقابل المادي الذي يُدفع لها.
- كما أن مبدأ مساواة المواطنين يقتضي أيضاً المساواة بينهم في الواجبات فكل مواطن مطالب بالولاء لوطنه وخدمة مجتمعه وتنفيذ أوامر قيادته ورؤسائه والتعاون مع إخوانه المواطنين في سبيل تحقيق الصالح العام.
ولا يؤثر على هذا المبدأ أفراد بعض الفئات الاجتماعية بعض المزايا أو إعفاؤهم من بعض الواجبات وذلك بسبب ظروفهم الإنسانية الخاصة كالمعوقين وهم الذين لا يستطيعون أن يؤمِّنوا لأنفسهم ضروريات الحياة الفردية أو الاجتماعية بسبب قصور بدني أو عقلي {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} وقد أقرَّت الامم المتحدة سنة 1975م إعلانا بحقوقهم يتضمن تمتعهم بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون بالإضافة إلى بعض الحقوق الخاصة كالتقدير والتدريب والتأهيل وعدم الاستغلال، ومن هذه الفئات أيضاً كبار السن {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}.. وقد أوصت الأمم المتحدة سنة 1973م بأن تبذل الدول جهودها لتحسين إجراءات الضمان الاجتماعي ووضع البرامج اللازمة لرعايتهم الصحية وإيجاد فرص عمل مناسبة.
وفي بلادنا تمت مراعاة هذا المبدأ منذ وقت مبكر يرجع إلى بدايات التأسيس فقد كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - يحث في العديد من خطبه على ضرورة المساواة بين المواطنين وكان من ذلك خطابه الذي وجهه لأهالي مكة المكرمة عند دخوله لها سنة 1344هـ عندما طالب بالإبقاء على الموظفين الذين عُرفوا عند الناس بالإخلاص والنزاهة، كما صدرت في عهده سنة 1345هـ (التعليمات الأساسية) وهي مجموعة من القواعد النظامية التي تنظم الحقوق والواجبات في كافة المجالات كما تم في عهود أبنائه الملوك البررة من بعده وضع وتنفيذ خطط التنمية الطموحة في كافة الخدمات والتي عمت سائر أجزاء المملكة من دون تفرقة، كما تم إنشاء صناديق الإقراض والتسليف والضمان الاجتماعي والتي لم تفرِّق أنظمتها بين مواطن وآخر في الاستفادة من هذه القروض والمساعدات واستحداث البرامج والجمعيات الخاصة بالمعوقين وكبار السن والأيتام، كما تم إصدار العديد من الانظمة في المجالات التعليمية والصحية والوظيفية التي ساوت بين المواطنين في الاستفادة من هذه الخدمات وجعلت مبدأ الجدارة والكفاءة هو الأساس في شغل الوظائف العامة كما أن (النظام الأساسي للحكم) الذي صدر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بالأمر الملكي رقم (أ - 90) في 27-8-1412هـ قد راعى هذا المبدأ فالمادة التاسعة من هذا النظام تقضي بأن (الأسرة هي نواة المجتمع السعودي ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد)، وتنص المادة الحادية عشرة على (يقوم المجتمع على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم).
إذاً فإن توجه بلادنا هو تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين عن طريق الأنظمة العديدة التي أخذت بهذا المبدأ وهو ما جرى به العمل وأمر مشاهد في الواقع والكمال دائماً للمولى عز وجل فإن حصل تقصير فهو إما اجتهاد شخصي، أو تقصير، ولا يعود أبداً لتوجه الدولة أو تلك الأنظمة.. وكلاهما يمكن معالجته وتلافيه عن طريق المزيد من الإخلاص من التنفيذيين والمتابعة من المسؤولين وإصلاح المقصرين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved