Monday 30th August,200411659العددالأثنين 14 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أزمة قيم أزمة قيم
خالد عبدالعزيز الحمادا

هذا الانفتاح الحضاري والثورة المعلوماتية والتقنية المتسارعة التي نعيش صخبها وضجيجها الآن.. قد تنهزم أمامه ثقافة وتندثر عادات وتغيب تقاليد هذه الهجمة الحضارية إن صح التعبير والتي أصبحت تتخبط لا يسيِّرها نظام ولا تحد من هجمتها قيود ولا تقف أمامها ولا تصمد سدود أو حدود قد لا يجدي معها التقوقع والانزواء إلا إذا كنت دولة تشكل عالماً متحداً لوحده ويتحرك داخل منظومة ثقافية وحضارية تغنيه وتخصه مثل (الصين) البلد القارة وهو المرشح رقم (1) للتسيّد وملك الزمام.
نحن المسلمين ليس عندنا إشكال من هذه الهجمة الحضارية والعولمة الشرسة التي تلتهم كل ما في طريقها إذا نحن عدنا إلى ديننا وطبقنا تعاليمه وفهمنا أحكامه وشرائعه فهماً راسخاً مؤصلاً عميقاً لأن هذا الدين يقوِّي النفس ويغذّي الروح ويجعلها في توازن وانسجام لا في تخلخل واضطراب كما هي حال (اللادينين) الذين غلّبوا جانب المادة على المعنى فأصبحت هذه الحضارة في تأزُّم من الداخل في جفاف بحاجة إلى غذاء روحي يرطّب دواخلها ويفك أزمتها ويحل إشكاليتها ويعيد إليها التوازن والهدوء ولذلك فديننا اهتم بالمعنى وحرص على الارتقاء بالنفس ومعظم خطاباته القرآنية وتعليماته النبوية كلها تصب في تحصين النفس وتغذيتها من الداخل ولو عددنا الآيات التي تخاطب النفس البشرية في القرآن لما أحصيناها بينما الآيات التي تخاطب الجسم قليلة ومعدودة .
ولا يعني هذا أن ديننا أهمل الجانب المادي لكنَّه أعطى الروح غذاءها المتوازن الذي يضمن لها الحياة السعيدة الطيبة في الدنيا والآخرة.
الغرب الآن يعيش أزمة هذا الاتساع الحضاري وهو في مأزق حرج وإذا استمرت العجلة الصناعية تدور بهذا النهم المسعور وبهذا التضخم اللامعنوي والجفاف الروحي فإنها ستصل حتماً إلى طريق مسدود والنظريات والأطروحات الغربية التي تتنبأ بالمستقبل وتحاول جاهدة أن تكون مرحلة انفراج للأزمة مثل نظرية (نهاية التاريخ) لفوكوياما و(صراع الحضارات) لهنتجتون هذه ساهمت في زيادة (التأزيم) وتأجيج المرحلة وهناك أطروحات أدركت عمق الأزمة لكنها ما برحت تعيش (عقدة الكنيسة) وطقوس الديانات المحرَّفة وأن الدين يحارب الحضارة ويكبِّل العقل ويمنعه من الانتاج والتفكير ولم يجهدوا أنفسهم بتقليب أوراق تاريخ الكبت الكنسي عندما فتح لهم ابن رشد العالم المسلم الآفاق وحررهم من كبت رهبان الكنيسة عندما أقنع الرهبان بأن الوحي لا يعارض العقل بل يسنده ويدعِّمه وكانت هذه بمثابة عود الثقاب الذي أشعل الماكينة الصناعية الغربية وزاد في اضطرامها إلى الآن.
أستاذة الفلسفة (مارجريت نايت) في إحدى الجامعات البريطانية ألقت سلسلة محاضرات في الإذاعة البريطانية تحت عنوان (أخلاق بغير دين) تتحدث فيها حول ظهور أخلاق ومبادئ مستقبلية مستمدة من واقع الحياة وتنظم العلاقات بين الناس وتحل محل الدين وقد أثارت هذه المحاضرات الكثير من النقد والجدل.
هذه الأستاذة أحست بالألم وأوجست شدة الوجع وأدركت الخلل الذي تعانيه وتتوجع منه حضارتها ومدينتها الغربية ووضعت يدها على مكمن الألم لكنها أخطأت الطريق في كيفية العلاج فراحة النفس وطمأنتها ووحشتها لا يخلقها وينشئها ويستطيع توفيرها هذا الإنسان البسيط مهما أوتي من قوة وعبقرية (فالروح - النفس) سر إلهي ولا يؤنس وحشتها ويداوي ألمها إلا معرفة الله وتطبيق منهجه واتباع شريعته.
وبما أن الغرب يرى أن عقليته الفذَّة هي التي أنتجت هذه المدنية ولا دخل لأحد في ذلك (إنما أوتيته على علم عندي) فهو لا يقبل الأخلاق الدينية بل يريد كما صنع وأنتج هذه التقنية أن يضع أخلاقاً متحضرة -زعموا- تناسب روح العصر وتعيش واقعه.
ولذلك فهناك نداءات ممتدة تطالب بأخلاقيات كوكبية او أخلاقيات مجتمع الغد ففي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اليونسكو التاسع والعشرين ذكر فدريكو مايور مدير عام اليونسكو حينذاك أمام المشاركين الذين وصل عددهم إلى حوالي (1300) عضو إن أخلاقيات المستقبل سوف تقوم على التعاون من أجل السلام وتحقيق الأمل والتنمية وتحديد المسار نحو الديمقراطية والقضاء على الفقر والتهميش للذين يزدادان بدرجة ملحوظة ليس فقط في مجتمعات العالم الثالث بل وأيضاً في كثير من الدول القوية.. الخ..
ولم يتوقف الأمر عند اليونسكو بل هناك مراكز ومؤسسات متخصصة تبحث في توعية القيم المقدمة والتي تليق بأن يتخلق بها مجتمع الغد..
(ففي أكتوبر عام 1996م وبمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي لمنتدى (حالة العالم) في سان فرانسيسكو أجرى (معهد الأخلاقيات الكوكبية) بأمريكا استطلاع لرأي 272 من المشاركين في المنتدى حول خمس عشرة قيمة أخلاقية وترتيبها حسب الأولوية بالنسبة لكل منهم واحتلت قيمة الصدق المرتبة الأولى وجاء بعدها قيم التعاطف والمسؤولية.
فالحرية فتقديس الحياة فالعدالة والإنصاف فاحترام الذات فالمحافظة على البيئة فقيمة التسامح فالسخاء والعطاء ثم التواضع فالتجانس الاجتماعي فالشرف فالإخلاص وجاء احترام كبار السن في ذيل القائمة).
مشكلة الغرب أن (عقدة الكنيسة) ما انفكت تلازمه إلى الآن وإن جاهد نفسه وتعرَّف على الإسلام فهو يتعرف عليه من خلال المؤسسات الإعلامية الصهيونية التي نذرت نفسها لتشويه هذا الدين القويم وبذلت وقتها ومالها لعرض الصورة السيئة للإسلام والمسلمين في الغرب ونحن المليار والربع مليار مسلم ما هو دورنا تجاه هذه الحملة وخاصة في هذا الوقت من دورنا نعترك ونتقاتل فيما بيننا.
هذه قد تكون الصورة الواقعة لحالنا اليوم والذي خارج دائرة التقاتل تجده مغرقاً في جلد ذواتنا.
لكن لو رفعنا رؤوسنا قليلاً وصمتنا عن الكلام ثواني معدودة واستمعنا لهمسنا الداخلي بأننا جميعاً مسلمون ونمثل العقيدة الصافية السمحة النقية ثم نظرنا إلى واقع الأمم وإلى اليهود بالذات بعددهم البسيط (15) مليوناً كيف يستميتون في الدفاع عن عقيدتهم الفاسدة المحرَّفة وكيف يعملون الليل والنهار لإطفاء نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
أدركنا أننا مخطئون ومقصرون في إيصال رسالتنا إلى الآخر الغربي.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved