بأبي أنت وأمي يا رسول الله يا من ملأت الأرض عدلاً ورحمة بعد ان كانت ظلماً وجوراً، يا من أطلقت النفس البشرية من عقالها الأرضي لتحلق في سماء الله، تمجّد ربّها راضية مرضية.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنت تكرم البشرية وتعلنها في الكون مبدأًً ربانياً عظيماً (ليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى) (أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب).
بأبي أنت وأمي يا رسول الله..
عندما يتجبّر الطغاة في الأرض ويتكبّرون صلفاً وغروراً كنت أنت أسمى مثال للتواضع والبِر والعدل حين يقول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}.
تقول أنت -أنا بشر- {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}.
ويتأكد هذا المبدأ العظيم سلوكاً في حياتك وسيرتك العظيمة وأنت تقول (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) (أبغوني عند ضعفائكم إنما ترزقون بضعفائكم) وهذا يعني أنك هناك في عمق الجماهير بهم ومعهم ومنهم وإليهم.
فصلى الله عليك وسلّم يا من أُرسلت رحمة للعالمين. لقد ضربت أروع الأمثلة في حكم الناس ووضعت منهجاً واضحاً للمسلمين بعدك. بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنت تدعو للرفق وتبشّر بالرأفة وتعلّم البشرية كلها معنى التآخي {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} لا بل تعدّى ذلك وقد أتيت إلى مجتمع يضام فيه الإنسان للونه الأسود أو لفقره فجعلت من بلال العبد الأسود مؤذناً يرفع شعار المسلمين في كل يوم خمس مرات، لا بل ويصعد فوق الكعبة المشرّفة وينادي أن حيّ على الصلاة. بأبي أنت وأمي يا رسول الله وقد علّمت الإنسانية ان تعذيب حيوان وإزهاق روحه أمر يستوجب غضب الرب ويدخل مقترفه النار فكيف بروح بشرية، مجّدها ربها إذ نفخ فيها من روحه واستخلفها في الأرض وكرّمها (دخلت امرأة النار في هرة حبستها....). (ان رجلا أصابه ظمأ شديد فنزل بئراً ليرتوي من مائها فلما خرج منها رأى كلباً يلهث يلحس الثرى من العطش فقال: لقد أصاب هذا الكلب من الظمأ مثل الذي أصابني فنزل البئر وملأ خفه وسقى الكلب فشكر الله له فغفر له). بأبي أنت وأمي يارسول الله وأنت القائل (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). (يا أيها الناس يُقتل قتيل وأنا فيكم ولا يُعلم من قتله؟!). (لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذّبهم الله). بأبي أنت وأمي يارسول الله.. لم تفرّق بين مسلم وغير مسلم وجعلت الاعتداء على الإنسانية في صورها المتعددة ومعتقدات أهلها أمراً فاحشاً يوجب غضب الله ويحرم دخول الجنة فأنت القائل:
(من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة). (من قتل قتيلاً من أهل الذمة حرّم الله عليه الجنة). (إن الله يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا). لله ما أروع هذا الهدي وما أعظم مغزاه، لقد كان من ثماره أن شعر الإنسان بمعنى الأمن والعدل والسلام فكان ان دخل الناس في دين الله أفواجاً.
وهذا عدي بن حاتم الطائي ينبهر أمام كرم الرسول الكريم وحسن التعامل وهو في أسر المسلمين، ولما فُك أسره ذهب معززاً مكرّماً ليشعر بحريته وليتخذ القرار الصائب ويعود معلناً إسلامه منبهراً بروعة هذا الدين الذي يأمر اتباعه بالإحسان والتسامح والرفق، وصفحات التاريخ مليئة بأمثال عدي بن حاتم الطائي.
حتى إذا جاء مدل برأيه، مغرور بنفسه، قاس بطبعه جاء الإسلام ليكبح جماحه ويعيده إلى الصواب (اضرب ابن الأكرمين كما ضربك). بأبي أنت وأمي يارسول الله وأنت تعلن على سمع الدنيا جميعاً مبدأ الأخوة اعلاناً ما سمعت الثقافات الجاهلية بمثله (سلمان منا أهل البيت) هنا تُمحى كل الفوارق. وهنا ترقى الإنسانية وهنا تتحقق العدالة المطلقة وهنا تظهر روح العدالة الاجتماعية والمساواة التي دعا إليها الإسلام ومجّدها وجعلها على رأس كل خُلق عظيم. بأبي أنت وأمي يارسول الله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وبأبي وأمي أنت يارسول الله، يا من بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة. ما كان أعظمك قائداً، وما كان ابرّك هادياً، وما كان اسماها من رسالة خاتمة {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهَُ} صلوات الله وسلامه عليك والحمد لله رب العالمين.
|