مساء السبت 28-6- 1425هـ، كنت أشاهد البرنامج الأسبوعي المتميز - لحظة صدق- الذي يقدمه الكاتب المجيد الأستاذ عبدالوهاب مطاوع، ومعه المذيعة الواعية الأستاذة سميحة أبو زيد، وأنا من المتابعين لهذه القضايا التي نقرأ ونسمع ونرى فيها شؤون الناس وشجونهم، ذلك أن الغوص في هذه المشاكل يضيف إلى المتابع المزيد من الوقوف على هذه الهموم التي تعيشها شرائح من البشر في الحياة العاجة الصاخبة، والذي يستطيع أن يسهم فيها برأي وعون وحلول له أجره عند ربه إن شاء الله!
* وبمتابعتي لبرنامج الأستاذ مطاوع الأسبوعي، وما يصب فيه من هموم الناس، عبر التسجيل الهاتفي والفاكسات والإنترنت والحضور إلى الاستوديو من الشاكين همومهم، ليحادثوا حلاّل المشاكل ومقدمته السيدة سميحة، ودون ظهور وجوه الشاكين، بهذه المتابعة التي أحرص عليها أسبوعياً، رأيت نمطاً في رجل كفء على خلق وأدب نفس..رأيت ذلك في ردوده وحواراته وآرائه الصائبة التي يلقي بها إلى النفوس المتعبة المهيضة بسماحة ورحابة صدر، لا تشدد ولا ضيق بما يلقى عليه من هموم الشاكين.. يدعم ذلك ثقافة عامة، وكذلك الديني منها والنظامي، وهذا العمل الإنساني عبر ذلك البرنامج الناجح جزاؤه عند الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً!
* ولهذا الرجل الكريم، الذي قضى في العمل الصحافي أكثر من أربعين سنة، يعمل بجد واجتهاد وإخلاص، وله مؤلفات في شتى المجالات، خاصة القصصية التي كتب فيها، وأصبح عضواً بارزاً في الأهرام أكبر وأقدم الصحف المصرية الباقية، وأبرز الصحف في العالم العربي، وأصبح الرجل بخلقه العالي وأدبه وجهده المتميز وسماحة نفسه، عضواً في مجلس إدارة الصحيفة وعضوية مجلس قسم الصحافة الذي تخرج فيه!
* ولم أكن من متابعي صفحة - بريد الأهرام - الذي يشرف عليه بقدرة وجدارة، وكذلك- بريد الجمعة- الذي يصب فيه قضايا اجتماعية، وخلال تلك الصفحة المتميزة، يركز الأستاذ عبدالوهاب مطاوع على تقديم آرائه القيِّمة البنَّاءة لقاصدي بابه المهم، بقدرة رجل، متمكن صادق بأدبه الحي، فأصبح هذا البريد علامة بارزة في أرقى صحيفة، ذلك أن العمل المخلص فيه يلقى النجح بتوفيق الله، ويجازى صاحبه ويذكر بالخير، لأنه بار بنفسه وبالناس!
* قلت إنني كنت مع برنامج - لحظة صدق - مساء السبت 28-6-1425هـ وكانت المفاجأة صباح الأحد، حيث قرأت ما كتبه أستاذنا الفقيه الشيخ عبدالله فراج الشريف ينعي فيه الأستاذ عبدالوهاب مطاوع ويطري أعماله وجهوده الجادة خلال عقود في المجال الصحافي، وقد تحدث الأستاذ عبدالله بما هو له أهل من الوفاء وذكر محاسن الرجال والنساء، وهو خير من يكتب ويثني وينتقد في مجال النقد، وقد أفاض بحق في الثناء على الفقيد رحمه الله برحمته التي وسعت كل شيء كفاء عمله في النصح للناس الشاكين والساعين إليه بهمومهم وآلامهم.. وتذكرت وأنا أقرأ حديث أستاذنا عبدالله الشريف عن رحيل الرجل الفاضل الحيي والإشادة بخصاله الحميدة الكريمة، تذكرت أنّ الأستاذة سميحة أبو زيد مشاركة الفقيد في برنامجه الأسبوعي، وهي تختتم ذلك البرنامج، بوعد اللقاء في الأسبوع القادم.. إنها آمال الإنسان وطموحاته، غير أنّ الأجل أسرع وأبلغ.. وصدق الله العظيم القائل في الشطر الآخر من سورة (ق): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
* وتحدثت الأهرام عن جهود الفقيد، وأنه كثيراً ما أدركه شروق الشمس وهو في مكتبه بالأهرام، عاكفاً على رسائل قرائه، منغمساً في همومهم، مفتشاً عن كلمات تبدد حيرتهم وتهدىء من أحزانهم، وما أكثر ما قضى الكاتب الإنسان عبدالوهاب مطاوع ليله، يؤرقه هموم قرائه، يترقب فلق الصبح، ليستخرج لقرائه مجهداً صحته ودمه، ما أتيح له من آمال إلى من حاصرتهم المشكلات، وهي التي ظلت هاجس حياته، التي أثقلتها الهموم، دون أن يلمس ذلك أحد ممن حوله..
* إنّ الأستاذ مطاوع نمط من الرجال الكرماء بإنسانيته، إحدى وعشرين سنة جنّد نفسه لبريد القراء في الأهرام، أمتع قراءه بأسلوبه الطلي وقلمه الرشيق وتميزه بالصدق وتحمل المسؤولية والالتزام بالعمل الدؤوب والموضوعية والدقة.. كان الفقيد في برنامجه الأسبوعي بالتلفاز يستشهد بآيات من الكتاب العزيز وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبآراء الحكماء ومن إليهم، إضافة إلى ثقافته المتعددة، وإذا أضيف إلى ذلك صدقه وحرصه على عون الناس في حل مشاكلهم، وقد سمعت من بعض الإخوة في الفضائية المصرية، أنّ الناس أصحاب الهموم، يتقبلون حلول وآراء الرجل برضا وشكر له على نصحه.
* وبجانب وعد الحق سبحانه وتعالى أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، أدرك أنّ نجح الرجل بعد توفيق الله، تلك القيم والصدق والخلق السمح وإنسانيته.. فقد رأيته وسمعته يخاطب الرجل ب: يا سيدي، والمرأة بسيدتي، والفتاة بابنتي.. تلك سمة الرجل السوي!
* لقد قرأت في بريد الجمعة بالأهرام، كلمات تهز الجوارح، خطتها عين باكية ونفس حزينة وفيّة، قالت: بقلم مداده دمع محترق.. ومرثية تشجي الورق.. نشيع إليكم الرسالة التي أرادت يد السماء أن تكون فصل الختام، حيث سلمها للنشر فجر الخميس قبل الماضي كعادته كل أسبوع، فقد كان - رحمه الله- حريصاً على فحص رسائل القراء حتى يوم الأربعاء من كل أسبوع، لكي ينتقي منها المشكلات الملحة التي تمس حياة الكثير، لكي يستفيد الجميع من ردوده التي لم تكن مجرد حبر على ورق، بل كانت عصارة فكره وخلاصة جهده ومنتهى اجتهاده.
* قد يعجب المرء من رجل دؤوب، يخرج من مكتبه في الأهرام الساعة الثالثة بعد الظهر، ويتوجه إلى مبنى الإذاعة والتلفاز، ليسجل حلقة أو أكثر من برنامجه الأسبوعي، ومدته ساعة، بلا طعام، وربما تناول كباية عصير، غير أنّ التحضير للتسجيل و - البروفات- وما يكتنفها من تعطيل في الإعداد شيء متعب وعناء كبير لا يحتمله إلا الصابرون.. ومن ذلك أنّ هذا الرجل الذي يضحي بصحته وراحته في خدمة الناس وعونهم على حل مشاكلهم هنا وهناك، في البرنامج التلفازي، وبريد الجمعة في الأهرام.. والذي يتابع ذلك الجهد يدرك أنّ الرجل الإنسان أنهكه التعب، ويرى أن الأستاذ الكبير عبدالوهاب مطاوع رحمه الله، وهو في كل عمله، يحترم القارىء ومستمع برنامجه في الفضائية المصرية، ومده بالحقيقة بلا مبالغة ولا تهويل.
* ومن مؤلفات الفقيد: صديقي لا تأكل نفسك، العصافير الخرساء، نهر الحب، نهر الحياة، سائح في دنيا الله.. وحصل الكاتب على جائزة أحسن صحافي يكتب في الموضوعات الإنسانية.. وقد قضى اثنتين وعشرين سنة، مشرفاً على بريد الأهرام، الذي أصبحت له شهرة واسعة في حل المشكلات الإنسانية، إلى أن توفاه الله.. عبدالوهاب مطاوع علَم من أبرز كتّاب مصر والوطن العربي.. وكنت قد عزمت على زيارته عند أول زيارة لمصر، ولكن الأجل كان أسرع من تقديري.. رحم الله الفقيد ورطب ثراه وغفر له جزاء ما قدم من نصح وصدق مشورة لأولئك الملتاعين المهمومين، وصدق من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم القائل: (خير الناس أنفعهم للناس) وإلى الله عاقبة الأمور!.
|