يمتلك الإنسان طاقات هائلة في هذه الحياة, يستطيع بها أن يطور نفسه ويغير شكل حياته ويحسنها، ويخدم مجتمعه ويُسعد غيره، وتلك الطاقات إذا أحُيطت بسياج أخلاقي من الإخلاص في العمل واتقانه صارت عملاً مفيداً يُحسب لصاحبه ويشهد له على مر الأزمان، وكم من الأعمال التي يقوم بها البشر تشهد عليهم وكم منها ما يشهد لهم.
بهذه المقدمة البسيطة وجدت أن الواجب يفرض على الإنسان أن يبدأ بها وهو يتناول موضوعاً مهماً يتعلق بتعاملنا مع الطبيعة من حولنا، تلك الطبيعة التي خلقها الله لخدمة البشر وسعادتهم والتي جعل لهم فيها الخير وأسباب الحياة، فكيف نتعامل معها وكيف نحيلها الى صالحنا وصالح أجيالنا؟ هذا هو ما ثار في مُخيلتي وأنا اشاهد هذا الانجاز لبلدية (مرات) تلك المدينة العامرة من بلادنا والمشهورة بغدراتها الصافية وجوها الرائع وكثرة متنزهاتها، وبهذا الجبل التاريخي المعروف جبل كميت.
وهنا يستوقفنا هذا الجبل الذي يطل على المدينة وتتميز به وتشتهر حتى جاء في الأمثال:(اضمن لي كميت أضمن لك مرات) وصار هذا المثل يُضرب للشيئين المتلازمين، والكميت في اللغة من كان لونه بين السواد والحمرة ولعل هذا يوضح لنا ما تتصف به تربة هذا الجبل منذ القدم مما جعل الناس يستخدمونها في بعض الصناعات اليدوية المعروفة.
وقد ظلت أهمية كميت ومدينة مرات يسجلها التاريخ على مرِّ العصور والأزمان حتى ارتبطت بشعراء الفروسية الذين ذاع صيتهم حتى إن رحالة هندياً جاء في عام 1340هـ إلى (مرات) يسأل عن جبل كميت وعن مكان أمرئ القيس الشاعر العربي المعروف وهو يستند في ذلك إلى مرجع وثائقي لديه، وإن كان بعض الباحثين يرى أن مدينة مرات كانت موطناً لأمرئ القيس كما يقول صاحب الأغاني: (مرات منزل لامرئ القيس بن زيد بن مناة وبها ماء ونخل) فإن البعض يرى أن سبب تسميتها يعود إلى أنها (مرآة الوشم) (لأن من يراها من شرقها يرى بلاد الوشم فهي أولى بلاد الوشم للمسافر من الرياض وأكبرها).
وإذا كان جبل كميت قد ظل يميز مدينة مرات فإنَّ ما قام به الإنسان في هذه المدينة صار يميز جبل كميت، نعم فقد أضافت بلدية مرات إلى هذا الجبل بُعدا حضارياً مشرقاً وشقت طريقاً إلى قمة الجبل وأنشأت متنزهاً يُعد مفخرة لكل من يرتاد هذا الجبل ليستمتع في متنزهه بفسحة من الوقت مع اسرته، فقد صار هذا المتنزه متنفسا للمدينة وأهلها ولكل من يفد إليها زائراً، وأصبح مضرب المثل على ما يمكن أن يفعله الإنسان ويؤديه نحو بلده ونحو البيئة التي يعيش فيها، فلك أن تتصور كيف يتحول هذا الجبل إلى بقعة مضيئة تشرق بالنور وكيف تتحول قمته إلى منطقة تسوها الخضرة والجمال، وكيف يصبح مكاناً للسعادة والراحة في إطارٍ من الحشمة والوقار.
لقد تم ذلك بجهود مخلصة من قبل رئيس بلدية مرات والعاملين المخلصين معه الذين عرفوا كيف يسخرون الطبيعة من حولهم لخدمة أبناء بلدهم وكيف يجعلون البيئة شاهدة على قدرة المواطن السعودي على أن يعمل فيبدع ويجتهد فينجز، مما يستحق كل شكر وثناء وتقدير وإعجاب.
إن هذا النموذج الحضاري الذي أقامته جهود مخلصة فوق قمة جبل كميت يشير بالبنان إلى صُناعه شاهداً على أن إمكانات وطاقات المخلصين من أبناء هذا الوطن قادرة على صنع الكثير لراحة أبنائه وسعادتهم، وهذا يستوجب العرفان بالجميل لكل من جعل هذا الجبل ينطق بعظمة الإنجاز، ويُعطى نموذجا يحتذى في العطاء والبناء، فما بالنا إذا استكمل هذا الإنجاز وتم التوسع في خدماته وفي تحسين إدارته؟ إنه سيبقى نعم النموذج وسيظل تاجاً يزين قمة هذا الجبل على مدى الأيام.
حفظ الله لهذا الوطن أبناءه المخلصين العاملين.
|