أقصد بالخلط كما في العنوان أعلاه ما يؤدي إليه الخلط الخاطىء بين شيئين - أي شيئين - لا يمكن الخلط بينهما من إرباك وضبابية وتعمية في كافة جوانب الحياة سواء منها الفكرية أو العلمية أو التقنية أو الغذائية أو حتى الجنسية، فكلنا نعلم لا شك ما يؤدي إليه الخلط بين الزيت والنار..، أو حتى الخلط بين السمك واللبن.. وأقصد بذلك أكل السمك وشرب اللبن وفقاً لما توصل إليه الجاحظ في وقته حينما صرح طبياً بالقول: (لا تأكل السمك وتشرب اللبن). كذلك لا تخفى النتائج الوخيمة من الخلط الخاطئ بين بعض العناصر الكيميائية غير القابلة للخلط من اشتعال حرائق وحدوث انفجارات.. بل أذكر أن قرأت قصة بحث مضن استغرق ما يقارب من اثنتي عشرة سنة من الجهود الطائلة في أحد بلدان الغرب، وكان الهدف الرئيس لهذا البحث محاولة المزاوجة والتهجين زراعياً بين بذور الطماطم والبطاطا، وقد نجح علماء هذا المشروع من إنتاج ثمرة أسموها (بوميتو) اشتقاقاً من توميتو وبتيتو كما هو نطقهما في اللغة الانجليزية، هذا وقد اعتبرت حينها هذه النتائج فتحاً عظيماً حيث اعتقد الكثيرون أن مشكلة الجوع في الكرة الأرضية سوف يتم التغلب عليها. ورغم ما انبعث من آمال عريضة فقد تجلى في الأخير العديد من النتائج الوخيمة لخلط ما لا يحتمل الاختلاط.. حيث أودت ال(بوميتو) بالعديد من الأرواح نتيجة لما حوته من سموم قاتلة.
عليه يصح القول إن ما يسري على الكيمياء والنبات واللبن والسمك والزيت والنار.. ينطبق كذلك على الأفكار.. وأقصد بذلك خطورة الخلط الخاطىء بين الأفكار غير القابلة للتكامل والتناغنم والتلاقح، فالخلط العشوائي والقسري بين الأفكار غير القابلة لذلك قد يؤدي بالمجتمع إلى أن يصاب بالعقم الفكري ولاشك في أن مصير أية ثقافة تصاب بالعقم فكرياً العزلة والتقهقر فالاضمحلال.
أخيراً ألا يصح القول إن الظاهرة الإرهابية التي خلطت بين ادعاء البراءة وتحليل قتل الأبرياء تمثل هنا أوضح وأقرب مثال على خطورة الخلط بين ما لا يقبل الاختلاط؟
|