Monday 30th August,200411659العددالأثنين 14 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
تَيَاذُوق
عبدالرحمن صالح العشماوي

ليس هذا العنوان رمزاً من الرموز، ولا طلْسماً من الطلاسم، ولكنَّه اسم لرجل كان ذا شهرةٍ ومكانةٍ بين الناس في زمانه، يحدِّثنا عنه ابن أبي أصيبعة في كتابه (عيون الأنْباء في طبقات الأطباء) فيقول:
كان طبيباً فاضلاً، وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب، وعاش طويلاً فهو من المعمَّرين، وكانت حياته في أول دولة بني أميّة، وصحب الحجاج بن يوسف الثقفي طويلاً، وكان الحجاج يثق به في صناعة الطب، وينفِّذ نصائحه وتوجيهاته فيها.
قال للحجاج يوماً: لا تأكلنَّ طعاماً حتى تجوع، ولا تكرهنَّ نفسك على الجماع، ولا تحبس البول، وخذ من الحمَّام قبل أن يأخذ منك.
ومن حكاياته مع الحجاج أنه وجد في رأسه صداعا شديداً فبعث إلى تياذوق وشكا إليه حاله فقال له: اغسل أيُّها الأمير رجليك بماء حارٍ وادهنْهما بزيتٍ يذهب صداع رأسك، وكان أحد عبيد الحجاج يستمع إليه وهو (خَصيّ) فقال: والله ما رأيت طبيباً أقلّ معرفة بالطب منك يا تياذوق! شكا إليك الأمير الصداع في رأسه فوصفت له دواءً في رجليه؟ فقال تياذوق: أما إنَّ علامة ما قلت للأمير واضحة فيك. فقال العبد الخصيّ: ما هي؟ قال: نُزعتْ خصيتاك فذهب شعر لحيتك. فضحك الحجاح ومن كان حاضراً وعجبوا لسرعة بديهة تياذوق.
وكان في مجلس الحجاج كعادته فسأله نصائح في الطب تحفظ له صحته، فقال: لا تشرب الدواء! إلاّ من علّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيّاً - أي صغيراً - ولا تأكل الفاكهة إلاّ في أوان نضجها، وأجدْ مضغ الطعام، وإذا أكلت نهاراً فلا بأس أن تنام، وإذا أكلت ليلاً فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة، ولا تنكح من النساء إلاّ شابة.
فقال له بعض من حضر، إذا كان الأمر كما تقول يا تياذوق؛ فلماذا هلك الطبيب الحكيم بقراط؟ ولماذا هلك جالينوس وغيرهما من مشاهير الأطباء ولم يبق منهم أحد؟ قال تياذوق: أيُّها السائل قد احتججت فاسمع ما أقول لك، إنَّ القوم دبَّروا أنفسهم بما يملكون، وغلبهم ما لا يملكون ولا يمكله أحد من البشر ألا وهو الموت، وما لا قبل لأحد بردِّه ما هو خارج عن طاقة الإنسان كالحرِّ والبرد والوقوع من شاهقٍ والغرق والجراح وما شابه ذلك.
وقال للحجاج يوماً: أربعة أيُّها الأمير تهدم العمر، وربّما قتلن الإنسان: دخول الحمَّام على البطنة - والمقصود بالحمَّام هنا مكان الاستحمام -، والمجامعة على امتلاء المعدة، وأكل القَديد الجافِّ، وشرب الماء البارد على الريق، وما مجامعة العجوز ببعيدةٍ عنهن.
ومما يروى عن الحجاج أنه قال لابنه محمد: يا بني، إنَّ الطبيب تياذوق كان قد أوصاني في تدبير الصحة بوصية كنت استعملها، فلم أرَ منها إلاّ خيراً كثيراً، فلما حضرته الوفاة دخلت أعوده، فقال: الزم أيُّها الأمير ما كنت أوصيتك به، وما نسيت منه فلا تنس الأمور التالية: لا تشربنَّ دواءً حتى تحتاج إليه، ولا تأكلنَّ طعاماً وفي جوفك طعام، وإذا أكلت فامشِ أربعين خطوة، وإذا امتلأت من الطعام فنم على جنبك الأيسر، ولا تأكلنَّ الفاكهة وهي مولّية، ولا تأكل من اللحم إلا ما كان فتيّاً، وعليك بالسواك، ولا تدخل اللحم على اللحم فإنّ ذلك يقتل الأُسود في الفلوات.
ومن عجائب ما يروى عن تياذوق أنه كان حاضراً مجلس الحجاج حينما أمر بقتل التابعيّ الجليل (سعيد بن جبير) - رحمه الله - بعد أن جرى بينهما حديث طويل، فلما ذبح سعيد بن جبير خرج منه - رحمه الله - دم كثير استكثره الحاضرون وهالهم، وأفزعهم، فسأل الحجاج تياذوق عن سبب ذلك فقال: سببه أيُّها الأمير اجتماع نفس الرجل، وعدم جزعه من الموت، وعدم هيبته منك، وضعف مبالاته بك، واجتماع روحه وعقله في التوجُّه إلى ربه، فذلك الذي جعل دمه غزيراً بهذه الصورة، بينما يجفُّ دم سواه فرقاً من الموت.
هكذا كان تياذوق طبيباً حاذقاً، ذا معرفة بالطب، ودرايةٍ به.
وقد فارق الحياة، وفارقها الحجاج بعده بقليل، لأنَّ الموت نهاية كل حي، فما يملك الناس من أمره شيئاً.
إشارة


قل للطبيب تخطَّفتْه يد الرَّدَى
يا عارفاً بالطبِّ من أَرْداكا
إحدى الإبل الفائزة في المهرجان
لقطةلإحدى الإبل بعد الفوز
السديري أثناء توزيع الجوائز


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved