Sunday 29th August,200411658العددالأحد 13 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

العدد 383 6-2-1392هـ الموافق 21-3-1972م العدد 383 6-2-1392هـ الموافق 21-3-1972م
الحب والمطر
قصة قصيرة كتبها: محمد علوان

المطر ينهمر بغزارة.. والطرقات يلمؤها الوحل. ولا نشاهد شيئاً حتى الأبقار والحمير الضائعة واقفة هنا وهناك في مكان يقيها هذه السيول المندفعة من السماء.. وصاح احد الطلبة: استاذ استاذ.. الماء يدخل علينا الحجرة.. وقطع الاستاذ الدرس وصاح بالتلاميذ الذين بقرب الباب أن يرفعوا البساط لئلا يبتل وكنت أحدهم وقفزنا بسرعة ونحن نترقب بين آونة وأخرى مجيء المراقب يعلن العطلة، فكانت فرحتنا تشتد عندما يأتي موسم الأمطار ونحن في المدرسة لأننا سنفوز بعطلة ما دامت الامطار ولأن المنازل الطينية لا يمكن ان تكون مبعثاً للطمأنينة.. وما هي الا دقائق حتى وصل المراقب ليهمس في أذن المدرس كلاماً وكأننا عرفنا ما يقصد.
(فيدوس) اجازة حتى كنا بباب المدرسة الكبير الذي ضاق بنا ونحن نتزاحم وابتلت ملابسنا ثم تجمعنا في الساحة الكبيرة التي أمام المدرسة وانطلقت أصواتنا في نغم واحد (ياحنان - يامنان - يارب تسقينا الغيث - وتسقي جميع المسلمين - يامولانا - لا تنسانا - انا بيدك) وكانت النوافذ القريبة تفتح ويطل منها رأس امرأة أو رجل أو مجموعة وجميعهم يقولون (هيا الى بيوتكم واسترحموا ربكم)، ووصلت إلى المنزل بعد أن تفرقت بنا الطرق كل الى داره.. وكنت أعلم ما العقاب الذي ينتظرني سرت ببطء شديد شيئا فشيئا ولكن لا احد، اين امي؟.. ليست هنا ولله الحمد.. بادئ ذي بدء يجب عليّ ان اخلع ثوبي الوحيد لاجففه ولكن أجففه على ماذا.. عرفت.. الى المطبخ اخذت عودين كبيرين من الخشب ووضعتهما في التنور.. واشعلتهما ثم خلعت ثوبي حتى جف أما السروال فعندما انتهي من ارتداء ثوبي سأجففه، وطافت بي افكاري، انتقلت من مكان الى آخر ومن زمن حاضر الى ماض إلى مستقبل صادفت الكثير.. مررت بهم، قدره على جمع المكان والزمان وحصرهما في لحظات ذهنية ولكن دونما تركيز أو اصغاء.. هدباء - أه يا عيني على هدباء قامة، وحلاوة، وأدب في البيت - مثل الدرة كما قالت أمي فهي لا يهمها من البنت سوى ان تكون تعرف تطبخ وتنفخ وتنظف البيت ولكن فوق كل شيء تعرف تقرأ وتكتب ومعها الآن شهادة سادسة وانا في رابعة، على الله - الصبر طيب- ولكن مثل ما قال الاول (الحرمة حرمة تاليتها الرحى والبرمة).. طيب ولماذا كل هذا التفكير ايمكن ان تحبك.. واحمد وناصر وسعد يحومون حولها لديهم من الملابس الجميلة ما تعجز والدتك المسكينة أن تعطيك منها ولو ثوباً واحداً علاوة على ذلك فأنت ترفض الملابس التي يعطيها أهل الخير لوالدتك، لأنك كما قالت أشبهت والدك, ما تحب احد يتصدق عليك حتى لو مت من الجوع، ولكن لابد من مضايقتهم على الأقل.. انت لن تخسر شيئا وستكسب اي شيء ربما اغضبهم وهذا ما تريده، هذا الثوب المغبر لا يصلح والثاني ايضا هذا الثوب الأسود هو اجملها وهو الاخير من ممتلكاتك الممزقة ولكنه قذر لم تغسله منذ اشهر.. ولا يهمك الآن ها هو الوادي توقف المطر, الاحسن اغسله فوق السطح وانشره بسرعة وسأتركه الى بعد أذان العصر ثم ارتديه وأحاول المرور أكثر من مرة كما يفعل الآخرون، وبالطبع سوف تقف امام الباب وتشاهدني ربما أعجبها لأنني عاقل.. ألا يدل الثوب الأسود على الهدوء، سوف ارتدي الغترة البيضاء فهي احسن من الحمراء الحذاء لست املك سوى حذاء مادة التربية البدنية, انه أجمل في نظرها من الحذاء الأسود اللامع سوف تقول في نفسها.. هذا الشباب الرياضي ربما أعجبها أكثر فتحاول ان تلقي نظرة.. وبعد ذلك تعود إلى المنزل، ربي ما خلق الدنيا الا في ستة ايام، أعوذ بالله من العجلة، انتهيت من غسل الثوب وطال انتظاري حتى يجف، ولم أصبر وأخذته، أوف ياللحظ التعس ينقصه ثلاثة من الأزرة.. آه تذكرت في حقيبتي المدرسية مجموعة كثيرة من الازارير ها هي ولكنها رمادية والثوب أسود، لا يمكنها ان تشاهدها من على هذا البعد ووضعت الازارير ونجحت محاولتي الا قليلا لأنني خطتها بخيوط حمراء ووضعت الثوب على جسدي وارتديت الغترة والحذاء الرياضي.. وسرت في خيلاء ما أطول الشارع هل أركض.. عيب (اتركض ربما تكون ذاهبة في زيارة وتشاهدك سوف تسقط الهيبة) لا على مهل ها هو المنزل لا احد سوى من أصحابك - الحمد لله - اصبحت قريبا من الباب, مررت ولم تظهر سأحاول مرة أخرى لقد سمت سعد أمس يقول إنني أمر عشرات المرات.. وفي العودة رأيتها خارجة ومعها امرأة. - ربما - سوف أمر من جانبها والقى تحية المساء فأنا أعرف أمها وهي تزور أمي في بعض الأحيان ووالدتي تغسل لهم الملابس.. أصبحت بجانبهم والطريق مملوءة بالمياه الوحلة اثر المطر. والقيت التحية وقلبي يرتعش.. ثم احسست ان ظهري يتجمد.. لا ادري شعور لذيذ فأنا وهدباء بقرب بعض.. ليت والدتها تطلب شيئاً.
ماذا تطلب يا مسفر, سمعت صوت والدتها ولكن لم التفت، كنت أنني سبحت في ظنوني، يا مسفر غير معقول التفت اليها في عجلة (نعم) هل والدتك في البيت؟ هدباء. ليست هدباء انها اختها الصغيرة وامها.. الحمد لله سوف اعود وامها غير موجودة (لا لم ارها منذ الصباح.. لم أكمل الحرف الأخير حتى اصبحت منطرحاً على قفاي سقطت في الوحل، امتلأ الثوب وضحكت شقيقتها حتى وضعت يدها على بطنها واخذت والدتها بذراعي وهي تواسيني وتطيب خاطري (سلامتك ما حصل شر)، وقمت العن هذه المياه وعدت سريعاً الى المنزل.. واغلقت الباب في عنف.. لأواجه والدتي، اكسر الباب، ما الذي جعل ثوبك متسخاً وثوب المدرسة مبتلاً وذقت وجبة الزامية ليست من فمي ولكن على كل أجزاء جسدي ليست بملعقة ولكن بعصا غليظة.. الامطار مستمرة والايام تمر وانا قابع في البيت افكر فيها ولكن هل يمكن ان أمر من هناك وعلى فرض انني مررت فستكون اختها بالمرصاد تضحك بي وهي الا يمكن ان تكون قد عرفت القصة.. ذات يوم رأيت والدتي تنظم المنزل وترتبه وقد اعدت مجموعة من الارغفة والشاي والقهوة.. وكان ذلك بعد ان انتهينا من تناول العشاء.. لم احاول ان اسأل لأن الاجابة جاءت (قم اطلب لنا من آل مسعود حبتين هيل أم هدباء وبناتها سوف يسمرون عندنا) حاولت أن أخفي فرحتي العظيمة.. وسأستمر اكتب في صمت (ما سمعت أيها الاصم) وقمت وكأنني اتذمر وببطء مصطنع طيب ليتهم جاؤونا في النهار.. كم أكره زيارات الليل.وانطلقت كالسهم لقد كان منزلنا في طرف الحي ومنزل آل مسعود في الطرف الآخر، لم يكن يرعبني سوى ذلك الشارع المسقوف الضيق الذي لابد ان أدخله لينتهي بي الى منزلهم.. انه مسكون بالجن ودلفت وانا كالثلج من الرعب: الحمد لله - المعوذات - انتهيت.. اصبحت أغني بصوت عال كأنني ارعب الجن بهذا الغناء الذي يفقد الهدوء والراحة.. الحمد لله ها قد عدت بقليل من الهيل مرة ثانية من هذا المكان المرعب يارب ساعدني (الحمد لله) المعوذات. ياليتني احفظ سورة يس والكرسي وفجأة سمعت صرخة شديدة كان عواء ولكنه مفزع.. لم أدرك كيف وصلت إلى المنزل وانا ارتعش.. وعرفت لقد وضعت قدمي على ذنب قطة فصاحت.. لابد انه جني على صورة قط.. انها تتصور على كافة الصور كما قالت جدتي.. احمد الله الذي انجاني والهيل لم يعد معي منه حبة.. ما الذي اقوله لها.. هي تعرف انني كاذب دائماً ودخلت ورائحة غريبة عطر يملأ البيت وأصوات حلوة.. لقد وصل الضيوف.. اذا نجونا من العقاب.. السلام عليكم مساء الخير يالله حيهم.. أهلاً وسهلاً.. وبعد السؤال على الحال جلست في ركن المجلس والام في مواجهتي وهدباء واختها الملعونة التي لم تكتم ضحكتها تجلسان بجانب أمهما.. ما شاء الله يا مسفر في أية سنة.. والله في سنة رابعة وبينجح للخامسة الله يوفق لا وابشرك انه يشتعل في الصيف مع شركة (نصارى) وسألتني هدباء يعني تعرف تقرأ وتكتب انجليزي قلت بسرعة وأنا ارخي نظري نعم.. وانتهى الحديث وانا ارفع رأسي في خجل.. انجليزي - انجليزي.. وعزمت على أمر؟.
قالت لي أمها يا مسفر سوف يأتينا غدا ضيوف وبودي لو جئت تشتري لنا فاكهة من السوق وسوف أعطيك (عطية) على ذلك.. اليوم التالي أسير في ثقة سعد وأصحابي يذهبون ويجيئون.. لم أحاول أن القي حتى السلام.. كنت أنظر اليهم في كبرياء وقرعت باب أم هدباء، اتجهت اليهم بنظري وعلى شفتي ابتسامة وفتح الباب ودلفت الى الداخل.. ثم عدت من السوق.. الخطاب الذي أعددته لها أين هو ها هو في جيبي.. سوف أعطيها عندما أخرج ولكن كيف أعطيها ماذا اقول لها سوف ابقيه وعند الباب لم أحس الا وانا اقول لها معي خطاب. واشرقت عيناها تبسمت اه ما أحلاها اذا المسألة بسيطة حسبت انها سوف ترفض وتغضب.
قالت (ممن) عسى ان يكون من سعد؟
وأحسست بشيء في صدري يؤلمني ووخزة كبيرة في قلبي من سعد؟ وخرجت لا ألوي على شيء ودموع تنهمر من عيوني ووصلت الى المنزل.. لا أحد سوى النار الكئيبة تشتعل في الموقد.. ذهبت احلامي ادراج الرياح.. عرفت ان الحب شيء يحدث مرة واحدة ولشخص واحد.. أخرجت الخطاب من جيبي وفضضت غلافه وشاهدت الاحرف الانجليزية لم أنم البارحة وانا انقل هذه الحروف من فوق علبة الحليب التي كانت مكتوبة على جانبها.
كنت أود ان اكون شيئا كبيرا في نظرها.. لم تكن كذبة بيضاء بل كذبة مريرة على نفسي واشعلت الورقة.. ها هي النيران تأكل الأحرف.. ووصلت الى نهايتها (واسلمي لحبيبك مسفر) بالطبع بالعربي.. هذه المرة.. ايه لم يكتب لها ان تشاهدها.. وجمعت الرماد عليها وكأنني أدفن أحلى أحلامي.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved