يؤكد كل من عبدالجليل وقرعاوي في كتابهما (من كيمياء الدماغ إلى التعليم والإبداع) أن الخلفية الثقافية للشعب يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على عملية التعليم.. فمثلاً هناك الكثير من الأشياء في الخلفية الثقافية للحضارة الكنفوشية في اليابان تؤثر بشكل إيجابي على التعليم الياباني حيث ينظر أفراد المجتمع إلى أهميتهم كمجموعة وليس كفرد وهذا ينعكس على الطلاب الجيدين الذين يرون أن مسؤوليتهم هي مساعدة الطلبة الآخرين في الصف وجعل الجميع في نفس المستوى بينما في مجتمعنا تم غرس ثقافة التنافس بين طلابنا الذي يعكسه وجود الطالب الأول في الصف، تلك السياسة أدت إلى أن الكل يريد أن يصبح الطالب الأول فخلق جواً من عدم التعاون بين الطلاب بسبب تلك السياسة الخاطئة..
والمتفحص للمجتمع المدرسي سيجد أن هناك تصرماً بين عرى الأخوة والتعاطف والتواد بين شريحتي الطالب الأول والطالب المتوسط والأخير وتتضح تلك السياسة وما أفرزته من سلبيات جلية مترجمة فيما يضمره الطالب المتأخر دراسياً من عداوة للطالب الأول..
ورغم أن وزارة التربية والتعليم كانت لها جهودها المشكورة في إدخال طرق التعليم التعاوني وتعليم التفكير ضمن طرق التدريس وإستراتيجياته التي تؤمل من المعلم أن يتبعها إيماناً منها بأنها طرق أتت ثمارها في مجتمعات متقدمة كان لتلك الأساليب والطرق الدور الكبير في خلقها وتثقيف أبنائها ومنها على سبيل المثال المجتمع الياباني وغيره من المجتمعات.. ولكن استخدام سياسة الطالب الأول وتكريس ذلك في أذهان طلابنا وطالباتنا من خلال احتفالات الطلاب المتفوقين في المناطق التعليمية المختلفة التي تبنى على التحصيل العلمي فقط كعنصر مميز للتفوق.. إضافة إلى إيمان معظم معلمينا ومعلماتنا بأن الفروق بين أبنائنا وبناتنا فروق فطرية موروثة لا يمكن تحسينها فأدى ذلك إلى عدم الحرص على إيجاد الطرق والبرامج التي تعمل على تحسين الأداء وتطوير القدرات.
وبالتالي أعتقد أنه أدى إلى عدم نجاح الإستراتيجيات والطرق التي تدعو لها الوزارة وإيجاد فجوة بين الأبناء قبل المخرجات المأمولة..
وعودا على بدء بما أن الخلفية الثقافية للشعوب لها تأثيرها على مسيرة أبنائها لماذا لا نسبر غور ثقافتنا الإسلامية وخضبها بالتجارب المتميزة بعد تقليمها وتهذيبها لتناسب خصوصيتنا الثقافية والاجتماعية.. لماذا لا نترجم المشاريع التي أتى بها من كلف بزيارة تلك الدول.. لماذا اقتصرت على أن تكون مغامرات وحكايات كحكاية السندباد وأليس في بلاد العجائب... أليس السبب الرئيس للزيارة البحث عن الأفضل.. أين البرامج والمشاريع العملية التي خرج بها من قام بزيارة النرويج واليابان والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول؟!.. هل اقتصر البرنامج على الأحاجي أم أنهم عادوا بخفي حنين؟!.. أنا لا أتهم ولكني أتألم من وضع تعليمي يحتاج إلى غربلة وإعادة تنظيم وهيكلة وقبل ذلك إلى أن نبحث الروح التعاونية وأن نعلن الشعار الكل للوطن ومن أجل الوطن ليس طالباً أول فقط إنما طلابنا سواعد في البناء والقدرة على الإبداع والابتكار.. ولنرسخ في أذهان طلابنا وطالباتنا من كمال الإيمان حب الخير والتقدم والتميز للإخوان.. لنزرع فيهم حب التعاون وأن المجتمع ليس بمن حصل على الأول فالأول يكمله الثاني ويخدمه الثالث والنجاح للكل.
|